إن إيران هي أحدى الدول الإسلامية في غرب أسيا , وهي بلد واسع جغرافيا , ومتنوع من الناحية الطبيعية والقومية , فإيران تضم عدد من العرقيات والأديان المختلفة , واغلب سكانها ينتمي إلى العرق الآري , لذا سميت الدولة ( إيران ) نسبة إلى المسمى الآري 0 وشكلت بلاد فارس عمق الدولة الإيرانية الحالية , فمنذ تأسيس الإمبراطورية الفارسية على يد ( كورش الأول 525 ق م ) خضعت هذه البلاد ( إيران ) لعدد من أنظمة الحكم المختلفة , حكم فيها كل من ( الفرس , والأتراك ، والأكراد ، والأفغان ) . ورغم تعدد أنظمة الحكم، إلا إنها كانت أنظمة حكم ملكية وراثية حتى عام 1979 ، وهو تاريخ سقوط النظام الملكي وإعلان الجمهورية الإسلامية في إيران ويتميز نظامها السياسي الذي تشكل عام 1979 بخصوصية مميزه , فهو قائم على أساس من الحكومة الإسلامية التي تعتمد نظرية ولاية الفقيه كأساس للحكم ,وتركيبته المعقدة والمتداخلة من حيث وجود أربع وظائف في النظام السياسي الإيراني التي اقرها في الدستور وهي مؤسسة المرشد الأعلى والمؤسسات المرتبطة بها إضافة إلى المؤسسات الثلاث الأخرى (التشريعية , والتنفيذية , والقضائية ) , والنظام السياسي قائم بصورة رئيسية على نظريه ولاية الفقيه ومبدأ الشورى في الحكم . فهو يتمتع بعناصر قوى داخلية متمثله بالمرشد الأعلى والصلاحيات الممنوحة له , ووجود دستور ومؤسسات منتخبة , وانتقال الحكم في المؤسسات المنتخبة عن طريق الانتخابات وبفترات محدده دستوريا , كذلك وجود مؤسستين عسكريتين هما الجيش النظامي والحرس الثوري التي أعطت النظام السياسي ميزة أخرى وقوة إضافية . ويظهر تأثير النظام السياسي القائم في إيران في الداخل والخارج , فالنظام السياسي مؤثر على الداخل الإيراني من خلال سيطرة المؤسسة الدينية على مقاليد الحكم وما تتمتع به من شعبية في الوسط الإيراني , مع وجود مؤسسات داعمة للنظام السياسي وهي المؤسسات المعينة (مجلس صيانة الدستور , ومجمع تشخيص مصلحة النظام ) كذلك المؤسسات الخيرية التي انشأئها ودعمها النظام السياسي . وتتمتع إيران بالأهمية على الصعيدين الإقليمي والدولي ؛ بحكم موقعها المطل على الخليج العربي ذي الموقع الاقتصادي والإستراتيجي . ولقد زاد تماسك تركيبتها السكانية الغالب عليها هيمنة واضحة لصالح الطائفة الشيعية المسلمة من قوة نظامها السياسي المنبثق عن شعائر وتوجهات تلك الطائفة على الأصعدة كافة , وهو ما أعطي إيران تأثيرا ملحوظا على دول المنطقة . وفي جانب آخر أن لإيران أهمية عالمية تظهر بوضوح إمكانياتها الاقتصادية , فهي تضم ثاني احتياط للغاز في العالم ورابع احتياطي للنفط عالميا , وهي ثاني منتج للنفط في منطقة الخليج العربي , إضافة إلى موقعها المهم للعالم المطل على أهم ممر للطاقة وهو مضيق هرمز, ويتمتع النظام السياسي بقوة تأثير خارجي أخرى من خلال دعمه للمنظمات الثورية والمجموعات الدينية المرتبطة به في المنطقة. ومثلما يتمتع النظام السياسي الحاكم في إيران بعناصر قوة داعمة له , فأنه واجه , في المقابل , وما يزال , تحديات عديدة , بعضها داخلي رافق النظام السياسي منذ نشأته 1979, وأخرى خارجية . إذ إننا نلاحظ داخليا , أن الثورة الإيرانية ضمت عدة تيارات سياسية إسلامية وعلمانية وقومية , وانفراد المؤسسة الدينية بالحكم أدى إلى ظهور عدد من التحديات المعارضة للنظام السياسي والتي قد تؤثر على مستقبله أو تضغط باتجاه تغير بعض توجهاته الداخلية والخارجية , خاصة بعد أن أقامت المؤسسة الدينية نظام حكم يستمد أفكاره من نظرية ولاية الفقيه العامة التي جاء بها ( آية الله الخميني ) وكرست في الدستور . وكانت هناك معارضة لهذه النظرية من قبل بعض التيارات السياسية الإيرانية ذات التوجهات العلمانية , ومن بعض علماء الدين , ولم يقتصر الأمر على ذلك , إذ شهدت إيران ظهور الحركة الإصلاحية من داخل النظام السياسي منذ عام 1997 , وتحاول إحداث إصلاحات من داخل النظام السياسي وبوسائل سلمية عن طريق الانتخابات ومحاولة تعديل الدستور والمظاهرات وأبرزها كانت أحداث الانتخابات الرئاسية عام 2009 , والتي كان لها صدى واسع داخل إيران وخارجها , فأنه للمرة الأولى تخرج نخبة من داخل النظام السياسي وتطالب بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إيران , وهم من أبناء الثورة الإيرانية , وهذه الإحداث سيكون لها دور على مستقبل النظام السياسي كما سنرى لاحقا , وثمة تحدي آخر داخلي أيضا , يمثله بظهور حركة الأقليات القومية في إيران ومقاومتها للنظام السياسي خاصة ذات الامتداد الإقليمي , والمختلفة مذهبيا وعرقيا مع النظام السياسي ومنهم (البلوش , والأكراد , والعرب ) , رافقه حصول دعم غربي لهذه القوميات . وفي المقابل , فأن النظام واجه تحديات خارجية أخذت تضغط على النظام السياسي الإيراني لأحداث تحولات مهمة سواء بتغيير النظام السياسي , أو تغير بعض توجهاته السياسية , ولقد تعززت هذه التحديات بسلسلة تحولات مهمة على الساحة الدولية والإقليمية ومنها تفكك الاتحاد السوفيتي السابق وتفرد الغرب عامة والولايات المتحدة الأمريكية خاصة بالعالم , واحتلال الولايات المتحدة للعراق وأفغانستان , ومحاولة الغرب استثمار المعارضة الداخلية لمصلحته من اجل تغيير النظام السياسي أو تغيير بعض توجهاته. وهناك أيضا عدة خلافات لإيران إقليميا ومنها , الخلاف مع دولة الإمارات العربية المتحدة على الجزر الثلاث ( طنب الكبرى , وطنب الصغرى , وأبو موسى ) , وخلافات حدودية مع العراق , والاتهام بتدخل في الشؤون الداخلية للعراق وبعض الدول الخليجية , ومحاولة إيران الحصول على دور إقليمي قيادي في الشرق الوسط والخليج العربي , ورفض دول المنطقة لهذا الدور, ووجود عدة خلافات مع الغرب حول قضايا منها البرنامج النووي , كذلك دعم إيران للمنظمات التي يعتبرها الغرب إرهابية , ومحاولة الغرب منع قيام إيران بأي دور قيادي إقليمي في منطقة حيوية له , كذلك يحاول الغرب ممارسة الضغوط على النظام السياسي من اجل تغيير سياساته أو تغير النظام السياسي نفسه . ومما تقدم يطرح قضية المستقبل بالنسبة للنظام السياسي في إيران , والاهتمام بالمستقبل ودراسته بذاته ليس وليد هذه اللحظة , إنما هو اهتمام بشري يمكننا أن نسجل ظهوره الباكر في التجمعات البشرية الأولى , إذ أن الإنسان يسعى , بصورة عامة , إلى استشراف مستقبله , ويخطط لما يخدم مصالحه , وإن التفكير بالمستقبل انتقل في أساليب مختلفة مثل التأمل والخيال والتنجيم إلى الأساليب العلمية , وما ساعد على ذلك التطورات العلمية التي شهدتها الإنسانية , والتي جعلت استمرار أي وضع على ما هو عليه غير ممكن . وفي الحقيقة أن الإيرانيين , أو بالأصح قادة النظام السياسي , لم يقدموا إستراتيجية واضحة تعبر عن مستقبل نظامهم السياسي في عهد شهد العديد من التحولات السياسية الدولية والإقليمية بل والداخلية أيضا , والسبب إن السلطة السياسية الإيرانية التي تقودها قوى دينية محافظة , تؤكد على استمرار مقولات الخصوصية الإيرانية ومبادئ الثورة الإيرانية والمجتمع الإيراني ذو الأغلبية المسلمة الشيعية التي تعتبرها السلطة وسيلة لجمع الإيرانيين حولها منذ الثورة الإسلامية وتأسيس النظام الجمهوري عام 1979 , بيد أن ذلك لم يمنع الباحثين , ممن شهد قيام الثورة الإسلامية , واللاحقين بهم على السواء , من اقتراح احتمالات مستقبلية تتأرجح غالبا بين الاستمرار والتغيير للنظام السياسي الإيراني , إذ أن كل حدث يقع في إيران أو تنافس بين القوى العظمى للسيطرة على هذه المنطقة يجعل الدراسات تذهب إلى تحليل الوضع العام وما قد يستقر عليه النظام السياسي الإيراني أو بعضا من مفاصله. إن أية دراسة أكاديمية لمستقبل النظام السياسي لا يمكن إن تتم من خلال دراسة النصوص الدستورية , أو شكل النظام السياسي فقط , لأنها ستتسم , حينئذ , بالشكلية والمظهرية . إنما يجب أن تتعداه إلى فحص واقع وعمل المؤسسات السياسية الرسمية والقوى غير الرسمية ودراسة المتغيرات الداخلية والخارجية المؤثرة فيه , وصولا للانطلاق نحو المستقبل وبيان السيناريوهات والاحتمالات المستقبلية له.