لقد بات من الأمور المسلم بها ، أَنَّ ظاهرة الإقليمية الجديدة بترتيباتها وتكتلاتها، أضحت تُمثل إحدى أهم الظواهر الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية التي سادت المجتمع الدولي في عالم ما بعد الحرب الباردة زاحفةً بلا هوادة إلى مختلف الأقاليم تقريباً . بعد أن اتخذت لها رؤى متعددة ، ومتغيرات مختلفة دولية وإقليمية ، وأهدافاً ذات أبعاد شاملة إستراتيجية وجيوستراتيجية وجيواقتصادية وعسكرية-أمنية تالياً ثقافية-حضارية. ومن اجل ذلك فان تأثيرات تلك الظاهرة المباشرة وغير المباشرة ونتائجها ستكون فاعلة جداً في مراكز القوة والنفوذ في النظام العالمي وآفاقه المستقبلية على نحو عام ونظمه الإقليمية على نحو خاص. وبما يفضي إلى تغيير بنيتهُ الهيكلية الهرمية التي غدت تمر اليوم -أثر تلك الظاهرة- بمرحلة جديدة من مراحل تطور تاريخه المعاصر تختلف نسبياً عن المراحل التي سبقتها لتتؤاءم والمتغيرات الجديدة في النظام العالمي عامة منذ انتهاء الحرب الباردة . إذ مثل انتهاء تلك الحرب والفراغ الكبير الذي خلفه التفكك المُذهل للاتحاد السوفيتي على مستوى التوازن الاستراتيجي والاستقطاب الإقليمي وبروز أزمة الخليج الثانية في آب عام1990 وما تبِعها من نتائج ، واندلاع أحداث ايلول2001 واحتلال العراق 2003 ، فرصة تاريخية غير مسبوقة للولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق مخططاتها الرامية إلى اعتلاء العرش العالمي والهيمنة على مُقدراته ،بعد الخلل الذي برز في ميزان القوى جراء خروج الغريم التقليدي من حلبة المنافسة ،وبروز قوة بازغة بتكتلاتها الإقليمية الجديدة التي أمسى يُحسب لها ألف حساب.ليُفتح بوابة تحولات جذرية اعترت صرح الساحة العالمية وانطوت على تحديات جابهت الولايات المتحدة ولم تزل في الكثير من أقاليم العالم سواء في آسيا الباسفيك أو الشرق الأوسط أو الإقليم الاوراسي عامةً... لتندفع الولايات المتحدة على أثرها في الانخراط في الإقليمية الجديدة وتوظيفها في إستراتيجيتها الشاملة. وعلى صعيد متصل بدت تلك الإستراتيجية تطرح مشاريع لتلك الإقليمية في اوراسيا ومنطقة الشرق الأوسط تحديداً.عبر بوابة العراق الذي أُريد له أَنَّ يكون الأنموذج الإقليمي الجديد الشرق أوسطي. وتقديم المشروع على أنه مدخلٌ حقيقيٌّ للإصلاح والتغيير وفرصة سانحة للنهوض والتحرر من التخلف والفساد،وتحقيق التقدم الاقتصادي عبر التعاون الإقليمي بإنشاء أسواق ومنطقة تجارة حرة مع دول المنطقة اخذين بالاعتبار دور وجود إسرائيل بذلك.وذلك ما بات يشكل ظاهرياً أهم ركائز مشروع الإقليمية الجديدة في الشرق الأوسط.بيد أن المقصود اكبر من قضية سوق واشمل من مسالة تعاون اقتصادي أو إصلاح سياسي، ذلك أن إصرار الولايات المتحدة على الاحتفاظ بزعامتها العالمية يتطلب بالضرورة غمس أصابعها وأقدامها وغرسها في منطقة الشرق الأوسط وإعادة رسمها ، بما يعني إعادة إنتاج التجزئة في شكل جديد. ولاسيما إذا ما علمنا أن الإقليمية الجديدة تحمل في طياتها منظوراً ومسحاً استراتيجياً للمنطقة كلَّها بما يجعلها القاعدة الأمريكية التي ستنطلق منها الإستراتيجية الأمريكية الشاملة عبر العراق نحو الهيمنة على كل إقليم اوراسيا ثم الهيمنة على العالم والانفراد بالنظام العالمي.