القوة الناعمة وأثرها في مستقبل الهيمنة الأمريكية

number: 
1812
عربية
Degree: 
Author: 
علي محمد أمنيف الرفيعي
Supervisor: 
أ.د. مـنـعـم صــاحـي العمار
year: 
2014

يعد الربط بين جدلية ما هو كائن وما يجب أن يكون فيما يخص القوة الناعمة وأثرها في مستقبل الهيمنة الامريكية، من المتلازمات الذهنية التي لا يستطيع أي مفكر استراتيجي في الولايات المتحدة الاستغناء عنها. فالهدف الاستراتيجي عندما تبدأ ملامحه بالوضوح من ثم يخرج على شكل مشروع استراتيجي شامل يحاكي فيه ما يجب أن يكون عليه الوضع إقليمياً ودولياً، كان جوهر ما تمحور به عقول منظري الاستراتيجية الأمريكية بالأزمنة المختلفة. الأمر الذي يميز الفكر الاستراتيجي الأمريكي عن غيره أنه ذو أبعاد ودلالات حركية وديناميكية عالية، ولا يهمل أبداً البعد المستقبلي واحتمالاته القادمة، لاسيما في استيعاب ما هو عليه الوضع إقليمياً ودولياً (ما هو كائن) وإعادة توجيه مساراته باتجاه ما (يجب أن يكون). ولم يكن سر ما تقدم محصوراً فيما تمتاز به الشخصية الأمريكية لاسيما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية من تحفز لقيادة العالم، بل لأن القوة كانت ولم تزل من المتغيرات الثابتة المؤثرة في العلاقات الدولية، إذ اصبح تأثير القوة لا يقتصر على جانب معين وإنما أصبح تأثيرها على الصعد والمستويات كافة ومنها الاجتماعية، والاقتصادية والثقافية، لتعد من العناصر المهمة التي تستخدمها جميع الوحدات الدولية في سبيل تنفيذ أهدافها وطموحاتها سواء كان ذلك على المستوى الداخلي ام المستوى الخارجي.وفوق كل ذلك تعد القوة من الظواهر السياسية والاجتماعية المميزة التي يرتبط تطورها بتطور الإنسان وحاجاته المختلفة، مثلما ترتبط القوة بعلم السياسة حتى أصبحت من الركائز الاساسية عند علمائه، إذ أن العلاقة بين السياسة والقوة هي علاقة مبدئية وجدلية حظيت باهتمام كل العلماء عبر التاريخ. فغالباً ما تسعى الدولة إلى استخدام القوة من أجل الحفاظ على المجتمع وتطبيق سياساتها، أو لحماية امنها ضد أي تهديد داخلي أو خارجي. وبتطور المجتمعات لم تعد القوة حكراً على الدولة فقط، وإنما هنالك جماعات وأفراد يستندون إلى القوة فيما بينهم، إذ تؤثر القوة في مجمل الفعاليات والعمليات السياسية، كالتأثير على السلطة وصنع القرار وتوزيع القيم والموارد وتحديد الأولويات. وبما أن القوة مفهوم عام وشامل يستند إلى مجموعة من العوامل السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والثقافية، والبشرية تؤثر بعضها في البعض الآخر، دأبت مناهج تحليل العلاقات الدولية إلى بحث إشكالية القوة، بوصفها المحرك الاساسي للتفاعلات الحاصلة فيما بين الدول، ومن ثم يختلف فهم القوة ومكوناتها وعناصرها واستخدامها باختلاف المدارس والمداخل والاتجاهات النظرية المختلفة في العلاقات الدولية وإزاء ذلك تظهر بين الحين والآخر بعض الأفكار الجديدة التي تفرض نفسها في حقل العلاقات الدولية، والتي صادفت رواجاً واسعاً تحول فيما بعد إلى نظرية شبه ثابتة في العلاقات الدولية، وإحدى هذه الأفكار هي (القوة الناعمة)، التي ظهرت نتيجة لتطور مفهوم القوة. وقد جاء بزوغ القوة الناعمة، نتيجة لتفاعلات فكرية مختلفة داخل الولايات المتحدة عبر العديد من مراكز البحوث والدراسات والمعاهد والجامعات، التي ترفد صانع القرار بما هو مفيد وقيم من دراسات ومشاريع استراتيجية جديدة. وإذا كان تنفيذ الكثير من أهداف السياسة الخارجية للدول، قد اعتمد على القوة الصلبة (Hard power) لاسيما القوة العسكرية والاقتصادية (الاكراه والاغراء)، وذلك أما من أجل البقاء أو للحفاظ على المصالح المختلفة. ولكن في ظل التطورات التقنية الرقمية الحديثة في مجالي الاتصالات والمواصلات والتغيرات الدولية الجديدة التي شهدها العالم في القرن العشرين، لم تعد القوة الصلبة كافية لتحقيق أهداف الدول والفاعلين الآخرين، لذلك برزت القوة الناعمة (soft power) التي تعتمد على وسائل وآليات ناعمة وجذابة ومعنوية ، مثل الثقافة والقيم السياسية والسياسة الخارجية العامة. وعلى الرغم من أن القوة الناعمة كفكرة وكواقع قديمة، ألا إنها بدت المصطلحات المحدثة في المجال الاكاديمي، وتم استخدامها لأول مرة في مطلع التسعينيات من الباحث والسياسي الأمريكي جوزيف ناي (joseph s. nay) الذي أكد ضرورة استخدام القوة الناعمة، لأن الاعتماد على استخدام القوة الصلبة وحدها من وحدات النظام الدولي يشكل خطرا على أهدافها وتطلعاتها الاقتصادية والثقافية والسياسية دون اهمال الأثر الذي تؤديه القوة الصلبة، اذ لا توجد حدود فاصلة بين النمطين من القوة.وقد سوغت الاحداث اللاحقة لانهيار الاتحاد السوفيتي وصولا إلى أحداث( 11 أيلول 2001) ثم تجربة الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في العراق وأفغانستان، الميل الأكاديمي والرسمي لالتماس البحث في القوة الناعمة وآلياتها في الاستمرار بالقيادة الدولية وتفاعلاتها، وهو ما يعني تجديد وديمومة الهيمنة الأمريكية على العالم. فيا ترى ماهي مقتربات ذلك الميل؟ ومن ثم ماهي آثارة على القيادة الأمريكية للنظام الدولي وتفاعلاته.