تحضى سياسة الدولة التركية بأهمية كبيرة في المنطقة العربية ، سيما وانها من أهم القوى الفاعلة على الساحة الاقليمية ،اذ تمثل اليوم احد أهم أركان القوى في النظام الاقليمي ، كونها تمثل مركزا اقتصاديا ليس على الساحة الاقليمية فقط وانما على الساحة الدولية متطلعة لادوار مستقبلية تلامس الواقعين السياسي والأمني. ولعل بروز تركيا لم يكن مجرد صعودا ونزولا في مكانة القوى الأخرى على الساحة الاقليمية المتمثلة بحرب الخليج الاولى (الحرب العراقية - الإيرانية) 1980-1988 والثانية الحرب(العراقية - الكويتية) العام 1991 ومن ثم بتغيير النظام الدولي وصولا الى الحرب الامريكية على العراق والتي اقتضت بتغيير النظام السياسي في العراق العام 2003 وما تشهده المنطقة من احداث اخرى وفق ما يسمى (بالربيع العربي)، اذ انها انتهجت سياسات محاولة بذلك التكيف مع التغيرات التي قد تطرأ على البيئة المحيطة بها ، اذ انها تميزت بالقدرة على معالجة وصياغة الاوضاع بكفاءة تظهر للعيان بأنها دولة قادرة على الديمومة وأكثر قدرة على التكيف مع متغيرات النظامين الاقليمي والدولي ، لاسيما بعد بروز التغييرات في اكثر من بقعة ضمن نطاق المنطقة العربية. اذ حاولت تركيا عبر استراتيجية خاصة اقامة علاقات مع البلدان المحيطة بها مغيرة من استراتيجيتها التي كانت تتبعها منذ قيام الدولة التركية وصولا الى عام 2002 ، اذ كانت تركز بصورة رئيسية في علاقاتها مع الغرب مهملة بذلك علاقاتها مع بلدان المنطقة العربية او تأتي بالمرتبة الثانية من حيث الاهمية بالنسبة للدولة التركية مكونة بذلك دولا عربية عدتها بمثابة العدو بالنسبة لها وقد برز ذلك بشكل خاص على الدول المحاذية لحدودها (العراق, سوريا).
الا ان وصول حزب العدالة والتنمية لسدة الحكم في تركيا انشأت سياسات جديدة تجاه المنطقة العربية ولعل ابرز هذه السياسات ما جاءت به نظرية (العمق الاستراتيجي) لوزير خارجيتها (احمد داود اوغلو) والذي اتخذته الدولة التركية كمنحى استراتيجي ساعدها في محاولة التخلص من الازمات التي احاطت بتركيا موسعة بذلك من الدور الذي مكن ان تقوم به تركيا في المنطقة العربية ، ولعل ابرزها هو التوجه نحو المحيطين الاسلامي والعربي كتعويض عن عدم نجاحها اوربيا متخذه من مبدأ تصفير المشاكل مع دول الجوار الجغرافي وسيلة اساسية لادائهاالاستراتيجي تجاه المنطقة العربية , مما جعل دورها في المنطقة اكبر ، كل ذلك بدون التخلي عن الجانب الاوربي وسعيها للانضمام للاتحاد الاوربي. الا ان ذلك الدور الذي تحاول ان تقوم به تركيا يتطلب رؤية تركية تعمل بكفاءة وظاهرة للعيان عن طريق ابراز الدور التركي ومديات تأثيره في المنطقة العربية عن طريق القيام بعمليات فعليه تمس دول المنطقة بدورها كوسيط سياسي, ومحاولة اقامة علاقات اقتصادية وسياسية واستراتيجية مع البلدان المحيطة بتركيا فضلا عن بث البرامج الثقافية من اجل نشر الانموذج التركي , والاقتداء به من قبل المنطقة العربية بما يمثله من نظام حكم اسلامي معتدل وهو الامر الذي من الممكن ان تتقبله الدول العربية بصورة عامة والذي حاولت ان توصله تركيا الى دول المنطقة العربية.
وبلا شك فأن تركيا تمتلك مقومات تمكنها من القيام بدور فعال على الساحة الاقليمية ، بغض النظر عن ما تمتلكه من ارث تاريخي يمتد الى عصر الدولة العثمانية والتي كانت تحكم المنطقة العربية، اذ تمتلك تركيا مقومات جيو استراتيجية قد تمكنها من لعب دور اكبر فضلا عن انها عضو في حلف الشمال الاطلسي كل ذلك من شانه ان يؤثر ويقوي الدور التركي في المنطقة العربية. كما ان الاحداث المتسارعة في المنطقة العربية والذي باتت تعرف بـ (الربيع العربي) قد مست الدور التركي بصورة مباشرة والذي قد تؤثر على الدور التركي الاقليمي وما اذا كان سيزداد او يتراجع. اذ ان ما مثلته موجة التغيرات والتحولات السياسية المتسارعة التي شهدتها المنطقة العربية قد فاجئت الدولة التركية وذلك من حيث طبيعة التغيرات وسرعة حدوثها وانتقالها من دولة الى اخرى . فضلا عن ان عنصر المفاجئة لم يكن يكمن في حدوث التغيير فحسب بل تجسد في تدعياته على المحيط الاقليمي ، ولعل تركيا كانت من ابرز الاطراف الدولية والاقليمية التي سعت لاتخاذ موقف من التغيرات في المنطقة العربية . ومن هنا يرى الباحث بان هناك ضرورة لدراسة الدور التركي في المنطقة العربية فضلا عن المقومات الجيواستراتيجية التي تملكها تركيا ، وذلك عن طريق دراسة الاستراتيجية التركية تجاه المنطقة العربية لما قبل عام 2002 , وصولا الى عام 2002 وما مثلته من المتغيرات التي قد تؤثر على طبيعة الدور التركي ومن ثم على المنطقة العربية فضلا عن دراسة مستقبل الدور التركي في ظل المتغيرات التي تحدث على الساحة العربية.
الاستراتيجية التركية حيال الدول العربية بعد عام 2002 " العراق وسوريا إنموذجا "
number:
1783
عربية
College:
department:
Degree:
Supervisor:
د. سراب حميد الدهان
year:
2014