حق تقرير المصير واثرة على الامن الاقليمي جنوب السودان انموذجا

number: 
1771
عربية
Degree: 
Author: 
محمد علي سلمان
year: 
2014

الصراع على الموارد صراع أزلي قديم ضاربة جذوره في عمق التاريخ الإنساني على الأرض. وقد برز الصراع في هذا العصر نتيجة لتزايد أعداد السكان بصورة لم يسبق لها مثيل من قبل. فقد زاد سكان الأرض خلال القرنين الماضيين من 900 مليون نسمة في عام 1800م إلى أكثر من 6000 مليون نسمة في عام 2000م حسب تقديرات الأمم المتحدة ،هذا يعني أن سكان العالم قد تضاعفوا أكثر من ست مرات خلال هذه الفترة. إن الزيادة السكانية بهذه الصورة المتسارعة تعني المزيد من الطلب على كل الموارد وعلى كل المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. ويظهر لنا في الوقت الحاضر أن الدول الصناعية الكبرى هي التي تستهلك الموارد بإسراف في كل مكان، الأمر الذي أوصل الوضع بالنسبة لبعض الموارد القابلة للنضوب إلى حافة النفاد. والأرض لاشك أنها غنية بالموارد التي أودعها الله فيها وأوجدها عليها وبداخلها ومن حولها بحيث يمكن لهذه الموارد أن تعول أضعاف سكان الأرض الحاليين لو تم استغلالها بشيء من الاعتدال والحكمة. وقد تكمن مشكلة الموارد في أن بعض جهات الأرض تتمتع بوفرة منها في حين أن بعضها الآخر يعاني من شحها وندرتها ، مع الأخذ في الاعتبار ما توصلت إليه المجتمعات من مستويات متباينة في المجالات التقنية في استغلال الموارد. وخلق الله الأرض وما بها من موارد لمصلحة جميع الكائنات وعلى رأسها البشر فهم العنصر الأهم وقد ميزهم الخالق وفضلهم على كثير ممن خلق ومدهم بالسمع والبصر والفؤاد. يقول الحق سبحانه : (وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ * وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (الرحمن:10-13). إذاً خلقت الأرض لمصلحة كافة الكائنات بدون حدود فجاء البشر وقسموها إلى دول لها حدود سياسية صارمة تجعل من غير الممكن بل من المستحيل انسياب السكان طبيعياً، كما كان يحدث في الأزمنة الغابرة، من المناطق كثيرة السكان قليلة الموارد إلى الأماكن قليلة السكان كثيرة الموارد. ولنا أن نتصور قارة بكاملها مثل أستراليا يسكنها فقط حوالي 25 مليون نسمة احتكرها البيض لأنفسهم بعد أن قاموا بإبادة سكانها الأصليين في الوقت الذي يعيش فيه نصف سكان الأرض في الصين والهند وما جاورهما على كثافات سكانية عالية وضغط شديد على الموارد. هذه الأوضاع السياسية تزيد من تعقيد مشكلة الموارد والانتفاع بها. بالإضافة إلى أن الدول المتقدمة التي استطاعت أن تحقق الوفرة والرخاء لساكنيها بما لديها من تقنيات متطورة بخلت على الدول الأقل حظاً بهذه التقنيات ولم تساعد على نقلها الأمر الذي زاد من الفجوة بين مجموعات الدول المتقدمة والنامية أما هيمنة الدول العظمى على موارد الأرض فيشهد لها التاريخ قديماً وحديثاً. فكل الإمبراطوريات البائدة سعت للسيطرة على أقاليم غنية بالموارد خارج حدودها وذلك لما لهذه الموارد من أهمية استراتيجية لاستمراريتها وبقائها. ومن هذه القوى التي سادت وقويت ثم اندثرت الفرعونية والبابلية والسندية والصينية والفينيقية واليونانية والرومانية. فقد تمكن الفراعنة منذ أكثر من ستة آلاف سنة من جلب الأخشاب من منطقة بُنت أو الصومال الحالية كما استطاعوا التنقيب عن الذهب في جبال البحر الأحمر بشرقي السودان. وبعد أفول نجم الحضارات القديمة والإمبراطوريات في العصور الوسطى لمع نجم الدول الأوروبية الاستعمارية خاصة بعد الثورة الصناعية حيث تمكنت هذه القوى من الهيمنة على الموارد في المستعمرات لفترات طويلة واستطاعت من خلال ذلك بناء اقتصاد قوي تتمتع بخيراته إلى اليوم. وبانتهاء الاستعمار الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية ظهر الاستعمار الجديد والذي بدأت ملامحه واضحة في عصر العولمة وهيمنة القطب الواحد على مقدرات شعوب الأرض ومواردها. فبدأت الدولة العظمى في انتهاج سياسة التحرش والابتزاز وإشعال الحروب كل ذلك في سبيل الوصول إلى الموارد التي تستمد منها القوة. والهدف في كل هذه الحالات قديماً وحديثاً واحد وهو السيطرة على الموارد حتى لو كان ذلك باستخدام القوة المفرطة وقتل الأبرياء مثل ما يحدث في العراق الآن. ونستطيع القول إن معظم أنواع الصراع اليوم بين القوى العظمي ممثلة في دول العالم الأول والعوالم الأخرى هو صراع على الموارد خاصة التي انتهي مخزونها في الدول الكبرى ومن ذلك موارد الطاقة بينما لا زالت الدول النامية تتمتع بمخزون وافر منها. ويمكن النظر إلى موضوع الصراع على الموارد بمستويات ثلاثة هي: المستويات العالمية، والإقليمية، والمحلية. وسيكون استعراضنا للصراع على المستويين العالمي والإقليمي مختصراً بينما سنسلط الضوء على الصراع المحلى على الموارد في ولاية شمال دارفور بصورة أكبر. وقد بينت الأحداث الأخيرة في السودان أنه يمكن للمشكلات والنزاعات المحلية والإقليمية أن تتحول إلى صراعات دولية إذا أرادت القوى العظمى فعل ذلك لأنها هي وحدها القادرة على استصدار القرارات من مجلس الأمن الدولي لمصلحتها.