" يعٌتبر ظهور الاتحاد الأوربي موحداَ واحداَ من أهم الإحداث الثورية في عصرنا "
هنري كسنجر(*) لا شك ان الإتحاد الأوربي في نشوئه وامتداده لمدة قصيرة جداً، أصبح واحد من أهم القوى الفاعلة على الساحة العالمية، اذ يعد اليوم احد أهم أركان القوى في النظام الدولي ، باعتباره يمثل مركزا اقتصاديا عالميا متطلعا لمكانة وأدوار تتناسق وإمكانياته الإستراتيجية، فضلاً عن تطلعاته المستقبلية.
إن البروز الأوربي لم يكن مجرد نتيجة لهبوط مكانة قوى أخرى ، وإنما هو نتاج لجملة من الإحداث تراكمت عبرة السنين مشكلة اتحادا فريدا من نوعه ، يتميز بالديناميكية في التطور، مما يجعله اتحادا قادرا على الديمومة، وأكثر قدرة على التكيف مع متغيرات النظام الدولي، لاسيما بعد بروز ملامح ولادة نظام دولي جديد، قائم على التعدية في مراكز الأقطاب نسبياً، في ظل قانون التغيير الذي ينتاب النسق الدولي بكليته. لا شك إن التغير في النظام الدولي هو محصلة لهبوط أو صعود قوى دولية جديدة، فضلا عن متغيرات أخرى، قد تكون ذاتية، من قبيل تطوير قدرات الدول ذاتها، وبذا فإن محصلة التغيير، لاسيما الهبوط ،يمثل تراجع لدول كانت تشكل أساس قوة النظام الدولي ، هو ذاته قد يفسح المجال إلى بروز قوى أخرى، وهو ما ينطبق على الاتحاد الأوربي للبروز كمنافس دولي ، مالك للقدرة على المنافسة بالمجالات كافة . وإتساقاً لذلك، فإن وجود قوى أوربيه داخلية ، قادرة على تعزيز المرتكزات التي من الواجب توافرها في البناء المؤسسي الأوربي المتمثل "بالاتحاد الأوربي"، هو الذي يدعم الدور المستقبلي للأتحاد الأوربي، على الساحة العالمية. ذلك أن الاتحاد الأوربي يمتلك مقومات قوة إستراتيجية شاملة يُعتد بها، من قبيل "رقعة جغرافية واسعة ، وكثافة سكانية متوازنة ، وقدرات صناعية إنتاجية قادرة على سد الفراغ في السوق العالمية فضلا عن الحاجة الأوربية " وقدرات عسكرية ومؤسسات فوق القومية لاسيما وجود الإرادة الأوربية لدى صناع القرار لبروز الاتحاد الأوربي ، كفاعل دولي له شخصية قانونية يتمثل في مرتبة أعلى من الدولة. ومن هنا يجد الباحث أن هناك ضرورة لدراسة حيثيات الأداء الإستراتيجي الألماني في الاتحاد الأوربي ، إنطلاقاً من رؤية إستراتيجية مفادها، إن الأداء الإستراتيجي الألماني يشكل الركيزة الأساس في الاقتصاد ، ضمن مجمل الاتحاد الأوربي ، لا سيما في ظل امتلاكها لمقومات قوة إستراتيجية، وقدرة على الفعل، أدمجت بأداء استراتيجي منضبط لتشكل أساس البناء ، فضلا عن مقدرة سياسية في التصدي، ومعالجة الأزمات التي تواجه ذلك الاتحاد ، باعتبارها اكبر قوة سكانية في أوربا ، وتحتل مناصب متقدمة في الاتحاد الأوربي ،لا سيما بعد التطلعات الألمانية للبروز عبر بوابة الاًتحاد الأوربي بمظهر جديدا يختلف عما كان عليه إبان العهود التاريخية الماضية والتي شكلت مصدر قلق للأوربيين في مدة الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية . واتساقا مع ذلك تناول الباحث في موضوع الدراسة متغيرين الأول العام : والمتمثل بـ الاتحاد الأوربي كبنية مؤسسية ، انطلاقا من فكرته الأساس لإنشاء المجموعة الأوربية مرورا بمراحل تطور الجماعة من ثم الانتقال إلى التسمية الاتحاد الأوربي , فضلا عن مراحل توسيع الاتحاد الأوربي واهم المعاهدات التكميلية للاتحاد . إما المتغير الثاني : فقد تجلى بالدور الألماني من نشوء الدولة الألمانية الحديثة مرورا بالحربين العالميتين الأولى والثانية، ومرحلة الحرب الباردة ، وصولا إلى التوحيد الألماني وإعادة القوة الألمانية الجديدة في ظل أداء المستشارة انجلينا ميركل وما قدمته لألمانيا بشكل خاص وأوربا بشكل عام وما مثلته تلك المراحل من صعود وهبوط في الأداء . فضلا عن استعراض لمقومات القوة الألمانية المتمثلة بالمقوم الجيوبولتيكي – والمقوم الاقتصادي – المقوم التكنولوجي – المقوم العسكري – و ما يشكله كل من المقوم الثقافي والحضاري والسياسي من ادوار في عملية توظيف المقومات وانعكاسها ضمن أداء استراتيجي يتمثل بثلاثة أبعاد " داخلية – إقليمية– دولية" . ومن ثم الانتقال إلى مستقبل ذلك الاتحاد في ظل الأداء الاستراتيجي الألماني عبر آليات التوظيف الألمانية ، وصولا إلى طرح مشاهد لمستقبل ذلك الاتحاد المتمثل بـ ألمانيا ركيزة أساسية يستند عليها الاتحاد الأوربي اقتصاديا – تكنولوجيا - ، تؤدي إلى ألمانيا قائدة الاتحاد الأوربي سياسيا .
الإتحاد الأوربي والأداء الاستراتيجي الألماني "بعد الحرب الباردة "
number:
1778
عربية
College:
department:
Degree:
Supervisor:
د. سراب حميد الدهان
year:
2014