حوار الحضارات بين مشروع الهيمنة الأمريكي والأصولية الإسلامية

number: 
1751
عربية
Degree: 
Author: 
حسن سعد عبد الحميد التحافي
Supervisor: 
الأستاذ المساعد د. زيد عدنان محسن
year: 
2014

يعد الحوار القاعدة الأساس التي يجب أن تتفق عليها البشرية ، فمع إنقطاع الحوار تبرز التقاطعات البشرية كحقيقة ترتهنها النفوس الضعيفة كوسيلة لإيجاد حالة الصدام ، واثبات تسلطها وطغيانها على الأخرين ، فمعظم الحروب الدامية والصراعات البشرية ما هي إلاَ نتيجة لإنقطاع الحوار وحلول أسلحة الصدام التي تتكلم بلغة واحدة غايتها تحطيم الآخر مهما كان الثمن لتحل محل الحوار والعقل .فحوار الحضارات من أكثر المفردات والمصطلحات أنتشاراً وشيوعاً خلال العقد الأخير من القرن العشرين سواء أكان ذلك على المستوى العام بالنشر في الصحف والمجلات وأجهزة الأعلام الأخرى من محطات إذاعية وتلفزيونية ومواقع متعددة على شبكة الأنترنت العالمية ، أم على المستوى الخاص بالبحث والدراسة والمناقشة في دوائر البحوث والدراسات ، أو في الكليات والجامعات والمنتديات الفكرية ، فالحوار الحضاري بوصفهِ قضية عالمية وإنسانية يُعد في نظر الكثير من المفكرين ومنهم (روجيه غارودي) مطلباً جوهرياً في عصرنا الراهن ، لا بل هو ضرورة من ضروراته الملحة ، ذلك لأن العالم قد أكتوى بنيران الحروب المدمرة والصراعات الدامية التي دفعت البشرية من وراءها أثماناً باهظة وخسارات فادحة ألقت بظلالها على النظام العالمي برمتهِ . إن أساس الحوار بين الحضارات ينطلق عبر العلاقة المتبادلة بين الجماعات البشرية المختلفة بغض النظر عن مكان وجودها ، إستناداً إلى حقيقة أن الحضارات الإنسانية تتجلى بكونها نتاج تعاون الشعوب كافة ، لتصح بذلك مقولة حوار الحضارات وتشابكها طالما أن جميع الحضارات تعود إلى جوهر أو منبع واحد . فعملية التفاعل والإقتباس في ما بين الحضارات مستمر وحاضر ، وهي أكثر إتساعاً في ظل التطور النوعي الكبير والهائل لوسائل النقل والإتصالات الحديثة ، فالحضارات على اختلافها لها سجل واضح في الاقتباس من حضارات أخرى بطرق تعزز من فرص استمرارها في النمو والتطور . وحينما انفردت الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة على المسرح العالمي بعد عام ( 1991م ) وتفكك الإتحاد السوفيتي باتت حقبة القطبية الأحادية عنواناً للنظام الدولي الجديد وهذا ما منح الولايات المتحدة الفرصة للتفرد بل والتسلط على مجمل أوضاع العالم على وفق الايقاع الخاص بها ينفذ توجهاتها ومصالحها الخاصة بعيداً عن المصلحة الدولية ، إذ صاحب هذه المرحلة غروراً أمريكياً شديداً ورغبة واضحة في بسط الهيمنة والسيطرة على العالم أجمع ، مما أضاع على الولايات المتحدة فرصة أستخدام نفوذها بصورة توجه إنساني عالمي كان من الممكن أن يجلب الإستقرار على صعيد العالم ككل . فالولايات المتحدة الأمريكية شأنها شأن أية دولة عظمى لا تتصرف في سلوكياتها وأفعالها بناءً على إلتزامات أخلاقية بقدر ما تخفي سياساتها بنوع من البلاغة اللفظية النبيلة كنشر الديمقراطية ، ومحاربة الديكتاتورية ، والسلام العالمي ، وحقوق الإنسان وإلى ما هنالك من هذه الألفاظ والعبارات ، التي تخفي من ورائها توجهاتها العالمية للسيطرة والهيمنة على العالم .
ومع بزوغ فجر الحادي عشر من أيلول \ سبتمبر (2001م) تعرض العالم إلى صدى مدوي شديد هز أركانهُ المترامية الأطراف والمتمثلة في هجمات نيويورك وواشنطن ، حيث أثارت تلك الأحداث تبايناً في الآراء حول جدوى الدعوة
للحوار مع الآخر وتم توجيه أصابع الأتهام إلى عناصر إسلامية متطرفة إرهابية تجسد بالضرورة الفكر الثقافي والسلوكي للحضارة التي ينتمون إليها ، في حين نجد أن القانون الدولي ينص على عدم جواز الإدانة بالإنتساب . ومع هذا تعالت الأصوات الغربية على ضرورة الرد العنيف والعاجل والتي قضت على أي أمل بالحوار ، وأن القطيعة هي إحدى مخرجات تلك الأحداث ، وبالفعل ومنذُ ذلك الحدث شرعت بالظهور سلسلة لا متناهية من الدراسات في أتجاه تحميل الإسلام مسؤولية ما حدث ، وتصفهُ بالأرهاب والعنف والتطرف ، إلا إن أنصار التسوية يرون أن تلك الأحداث قد قدمت فرصة لمواصلة الحوار على الرغم أن الآخر يفتقر إلى شروط الحوار المتكافىء . على الرغم من تعالي الأصوات الداعية للثأر والانتقام نجد الكثير من التيارات الإسلامية قد دعت إلى ضرورة الحوار بين الحضارات لضرب النظريات المتعارضة التي تحاول ترسيخ الصدام والصراع بين الدول والشعوب والحضارات ، ومن ثم خلخلة الوضع العالمي برمته ، ونشر حالة عامة من عدم الاستقرار العالمي ، وعلى الرغم من تحفظ بعض الإسلاميين لفكرة الحوار ولأسباب مختلفة . فإن الحوار أمسى أمراً ملحاً وحيوياً في عالم اليوم الذي تشابكت فيه المصالح وتداخلت أكثر من أي وقت مضى . منذُ ذلك الحين بدأت تطرح العديد من السيناريوهات حول حدود وطبيعة المشهد المستقبلي وإطاره ومفاصلهُ على المدى القريب أو البعيد للحوار بين الحضارات حوار أم صراع ، فطبيعة العلاقة بين الحضارات تاريخياً أخذت أشكالاً مختلفة تحددها البنية الفكرية والعقائدية ، فتارة تتلاقى وتتفاعل في حدود التثاقف المتبادل والأفادة من الأبداعات والمعطيات الأيجابية دون أن تغامر أو تنفرط بهويتها ، وأخرى تدخل العلاقات بين الطرفين لمرحلة الصراع وتتجاوز
مشكلة الرسالة لغة الحوار ، فتفقد الإنسانية أهم نتائج الحوار وهي الإفادة من المقومات النوعية والمبادىء الإنسانية العالية .
حداثة الموضوع نسبياً وندرة المصادر التي تناولتهُ بشكل مباشر شكل معضلة أساس للبحث ، إذ لم يجد الباحث من المصادر المباشرة إلاّ مصدراً واحداً للأكاديمي الدكتور ( حميد حمد السعدون ) . إن طبيعة البحث تتداخل فيه عدة توجهات أساس ( فكرية ، دينية ، سياسية ) واستعراض التداخل بينها ، والاستعانة بمصادر بحثية يسهم فيها باحثون من مختلف الجنسيات والمعتقدات المختلفة ، مما ألزم الباحث توخي الدقة والحذر الشديدين في تعامله مع تلك المصادر خشية تضليلهِ بسبب ما قد تحملهُ تلك المصادر من غلو أو تحيز أو قصور .