مكانة الأقليمية الجديدة في الاستراتيجية الأمريكية الشاملة (العراق انموذجا)

number: 
1265
عربية
Degree: 
Author: 
مروان سالم علي
Supervisor: 
الدكتور منعم صاحي العمار
year: 
2010

لقد بات من الأمور المسلم بها ، أَنَّ ظاهرة الإقليمية الجديدة بترتيباتها وتكتلاتها، أضحت تُمثل إحدى أهم الظواهر الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية التي سادت المجتمع الدولي في عالم ما بعد الحرب الباردة زاحفةً بلا هوادة إلى مختلف الأقاليم تقريباً. بعد أن اتخذت لها رؤى متعددة ، ومتغيرات مختلفة دولية وإقليمية ، وأهدافاً ذات أبعاد شاملة إستراتيجية وجيوستراتيجية وجيواقتصادية وعسكرية-أمنية تالياً ثقافية-حضارية. ومن اجل ذلك فان تأثيرات تلك الظاهرة المباشرة وغير المباشرة ونتائجها ستكون فاعلة جداً في مراكز القوة والنفوذ في النظام العالمي وآفاقه المستقبلية على نحو عام ونظمه الإقليمية على نحو خاص. وبما يفضي إلى تغيير بنيتهُ الهيكلية الهرمية التي غدت تمر اليوم -أثر تلك الظاهرة- بمرحلة جديدة من مراحل تطور تاريخه المعاصر تختلف نسبياً عن المراحل التي سبقتها لتتؤاءم والمتغيرات الجديدة في النظام العالمي عامة منذ انتهاء الحرب الباردة. إذ مثل انتهاء تلك الحرب والفراغ الكبير الذي خلفه التفتت المُذهل للاتحاد السوفيتي على مستوى التوازن الاستراتيجي والاستقطاب الإقليمي وبروز أزمة الخليج الثانية عام1991 وما تبِعها من نتائج ، واندلاع أحداث ايلول2001 واحتلال العراق 2003 ، فرصة تاريخية غير مسبوقة للولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق مخططاتها الرامية إلى اعتلاء العرش العالمي والهيمنة على مُقدراته ، خاصة في ظل التحديات التي غدت تواجه الولايات المتحدة في الكثير من أقاليم العالم سواء في آسيا الباسفيك أو الشرق الأوسط أو الإقليم الاوراسي عامةً...ومنها بروز قوى صاعدة بتكتلاتها الإقليمية الجديدة التي أمسى يحسب لها ألف حساب، لتندفع الولايات المتحدة في أثرها في الانخراط في الإقليمية الجديدة وتوظيفها في إستراتيجيتها الشاملة. وعلى صعيد متصل بدت تلك الإستراتيجية تطرح مشاريع لتلك الإقليمية في اوراسيا ومنطقة الشرق الأوسط تحديداً.عبر بوابة العراق الذي أُريد له أن يكون الأنموذج الإقليمي الجديد الشرق أوسطي. وتقديم المشروع على أنه مدخلٌ حقيقيٌّ للإصلاح والتغيير وفرصة سانحة للنهوض والتحرر من التخلف والفساد ،وتحقيق التقدم الاقتصادي عبر التعاون الإقليمي بإنشاء أسواق ومنطقة تجارة حرة مع دول المنطقة وبالاشتراك مع إسرائيل طبعاً. وذلك ما بات يشكل ظاهرياً أهم ركائز مشروع الإقليمية الجديدة في الشرق الأوسط. بيد أن المقصود اكبر من قضية سوق واشمل من مسالة تعاون اقتصادي أو إصلاح سياسي، ذلك أن إصرار الولايات المتحدة على الاحتفاظ بزعامتها العالمية يتطلب بالضرورة غمس أصابعها وأقدامها وغرسها في منطقة الشرق الأوسط وإعادة رسمها ، بما يعني إعادة إنتاج التجزئة في شكل جديد. ولاسيما إذا ما علمنا أن الإقليمية الجديدة تحمل في طياتها منظوراً ومسحاً استراتيجياً للمنطقة كلَّها بما يجعلها القاعدة الأمريكية التي ستنطلق منها الإستراتيجية الأمريكية الشاملة عبر العراق نحو الهيمنة على كل إقليم اوراسيا ثم الهيمنة على العالم والانفراد بالنظام العالمي. وعليه فان الدراسة تحظى بأهمية واسعة كونها تبحث واحدة من أهم الظواهر العالمية تأثيراً وشمولية في الشؤون الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية بل قل الثقافية-الحضارية المعاصرة ،ونقصد بذلك ظاهرة الإقليمية الجديدة. كما تنبع أهمية الدراسة ، بوصفها دراسة إستراتيجية وجيوستراتيجية وجيوبوليتيكية وسياسية واقتصادية وعسكرية-أمنية وثقافية-حضارية .أي بمعنى إنها دراسة متعددة الجوانب تشمل أقاليم عدة ودراسة ظاهرة ومشاريع ظاهرة.وملامح هيكلة النظام العالمي وآفاقه المستقبلية. فالدراسة تكشف عن ملامح خريطة إقليمية جديدة تُرسم من جديد للعراق وللمنطقة عموماً لعلها أهم واخطر من خريطة سايكس بيكو القديمة التي وزعت ارث الإمبراطورية العثمانية لكن الخريطة الجديدة تحاول أنَّ تكون شهادة ميلاد وليس مجرد إعلام لرجل مريض مات.
منهجية الدراسة :
لسعة الموضوع وشموليته وتنوعه ولما يتطلبه موضوع الإقليمية الجديدة من وصفها وإدراكها وتحليلها وتفسيرها وتحديد نطاقها الجغرافي والإطار العام لها ، وإبراز خصائصها ومستوياتها وأبعادها، وتقصي تأصيلها التاريخي وسير أحداثها ومتغيراتها التي دفعت بها إلى الصيرورة النهائية ودورها في رسم تفاعلات النظام العالمي وإعادة هيكلته.ودراسة تحولات ومتغيرات الوضع الدولي إقليمياً وعالميا. وإجراء عملية المقارنة بينها وبين ظواهر أخرى قد تكون قريبة منها أو بعيدة عنها.والتنبؤ بآفاقها المستقبلية ، اعتمد الباحث مناهج عديدة ،منها:(المنهج التاريخي) و (المنهج المقارن) و (المنهج الوصفي التحليلي) و (منهج التحليل النظمي) و (المنهج الاستشرافي الاحتمالي).
هيكلية الدراسة:
استكمالاً لما يتطلبه الموضوع من دقة في التحديد ،وتعمق في التحليل.تم تقسيم هيكلية الدراسة ،فضلاً عن المقدمة والخاتمة والاستنتاجات إلى أربعة فصول؛عرض الباحث في الفصل الأول إطاراً نظرياً.أما الفصل الثاني الذي جاء بعنوان الإقليمية الجديدة في الفكر الاستراتيجي الأمريكي. بيد أن الفصل الثالث حمل عنوان؛ الإقليمية الجديدة "الشرق الأوسط ساحة اختبار". في حين كان الفصل الرابع جل اهتمامه منصباً على العراق فحمل عنوان "العراق نموذجاً شرق أوسطي للإقليمية الجديدة". وتبعاً لِما ذكر في هيكلية الدراسة ولما احتوته من مفاهيم ومصطلحات وما سطرته من عناوين، نقول ؛إن الإقليمية الجديدة جاءت تحت ضغط الضرورة الأمريكية والحاجة للإفلات من الأزمة المعولمة والشاخصة،بغية حشر الأقاليم عنوة وعلى عجل في اطر وهياكل ومفاهيم اقل ما توصف به إنها متوحشة وجشعة حد الهوبرة.وعلى صعيد آخر أثار مشروع الإقليمية الجديدةالتي طرحته الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط الكثير من التساؤلات في العالم لانه طرح أفكاراً في غاية الخطورة جعلته موضع شد وجذب ومّدٍ وجزر بعد أن رفضه من رفضه وأيده من أيده حتى بات من المريدين. وبعد أن انهينا دراستنا خرج الباحث بجملةمن الاستنتاجات والتوصيات ويمكن إجمال بعضها بمايأتي:
1) مثلت ظاهرة الإقليمية الجديدة إعادة مُأسسة النظام الاقتصادي العالمي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وعلى نحو يتواءم والمتغيرات الدولية الجديدة ويجعل من الكتل الإقليمية حلقة وسيطة بين الدولة القومية من جهة والنظام العالمي من جهة أخرى،الأمر الذي جعلها تعمل على إحياء النظم الإقليمية التي أصيبت بانتكاسة كبيرة مع المتغيرات التي اجتاحت العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة ولكن من منظور اقتصادي هذه المرة طالما إن النظام العالمي غدا يستند على أسس ومرتكزات اقتصادية وتقنية بالدرجة الأولى زيادة على الأسس والمرتكزات الإستراتيجية والجيوبوليتيكية.
2) لم تقدم الإقليمية الجديدة نفسها بديلاً أو نقيضاً عن التجارة الدولية الحرة بل أنها تعد متممة أو مكملة لها ،فهي وان كانت تهدف إلى تحرير التجارة بين أعضاء التكتلات الاقتصادية الإقليمية ،فان ذلك التحرير يمثل خطوة مهمة نحو تحريره خارج تلك التكتلات.
3) تمتاز الإقليمية الجديدة بالانفتاح الجيوبوليتيكي في عضويتها أي لم تقصر عضويتها على الدول التي يجمعها انتماء جغرافي محدد أو ثقافي –حضاري أو تاريخ مشترك طالما كانت هناك مصالح متبادلة.
4) تحاول الولايات المتحدة استثمار الإقليمية الجديدة في إستراتيجيتها الشاملة لتامين جملة مصالح حيوية تعزز من قدرتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية .. عبر الهيمنة على أقاليم العالم بربطها بعضها مع الأخر بشبكة من المنظومات والترتيبات الإقليمية الجديدة والعمل باستمرار على صنع وتغيير ادوار اللاعبين الإقليميين والدوليين المنخرطين في الإقليميات الجديدة للحد من نشوتهم ومنع أية قوى من إيجاد مؤطى قدم على أي إقليم،بعد انتهاج سياسة أو إستراتيجية إقليمية في كل منطقة تختلف عن سالفتها في المناطق الأخرى.ومن هنا جاءت المكانة المركزية المهمة التي غدت الإقليمية الجديدة تحظى بها في الإستراتيجية الأمريكية الشاملة لتكون امتداداً للنظام العالمي الذي تهيمن حالياً عليه واشنطن.
5) لنوعية الأحداث التي اكتظت بها العلاقات العربية الأمريكية التي عانت القصور في تفاعلاتها وكثرة تبايناتها السلوكية،أهلت الإستراتيجية الأمريكية لإطلاق جملة من المشاريع التهميشية للطرف الأول ليكون مشروع الإقليمية الجديدة خاتمتها متناغماً وما هو مطلوب لبناء الولايات المتحدة عالمياً،بعد إن أمسى النظام الإقليمي العربي مخترقاً بشتى أنواع التدخل الخارجي علاوة على انه بات مأزوم بكليته داخلياً خاصة بعد الاحتلال الانكلو-أمريكي للعراق بشكل دفع الكثيرين بمطالبةتشييعه إلى مثواه الأخير.
6) إن الاحتلال الأمريكي للعراق دفع الولايات المتحدة لتُعلن عن هدفها الأكبر وهو استبدال نظام سايكس بيكو البريطاني بنظام إقليمية جديدة أمريكية الصنع والمنشأ والتعبئة والتصدير متضمنة الهيمنة على العراق وجعله قاعدة مركزية لها للانطلاق من خلاله إلى المنطقة برمتها والتحكم بها وتالياً الانطلاق من خلالها نحو العالم.
7) إن السلوك الأمريكي الإقليمي الجديد بات واضحاً انه إقليمي المنطلق ،عالمي النزعة والتوجه ليس مع دول الشرق الأوسط فحسب بل مع فواعل المجتمع الدولي برمتها.
8) أن ظاهرة الإقليمية الجديدة تسير بتصاعد ملحوظ وليس بتراجع كما كان متوقعاً، وذلك التصاعد يسير باتجاهين؛ يتمثل الأول بمزيد من التركيز العالمي حول الكتل التجارية القارية العظمى التي يرتكز عليها النظام الاقتصادي العالمي. والمتمثلة بالابيك والنافتا والاتحاد الأوربي. مما يؤكد سعي أعضاء تلك الكتل، القبول بمبدأ المشاركة الإقليمية لدعم نظرية الاعتماد والتعاون المتبادل بما من شأنه أن يجعل من تلك الكتل مرحلة وسطية بين السياسات الاقتصادية القومية وبزوغ هيكل عالمي جديد تعددي. فضلاً عما شهدته الدول النامية من انفتاح اقتصادي وبما جعل من الدبلوماسية الاقتصادية أهم أدوات إدارة العلاقات الدولية. بل أن بعض المفكرين الاستراتيجيين الأمريكان أكدوا إنَّ النظام الجديد يتجه نحو نظام عدم الأقطاب حيث أن هناك تعدد في مراكز القوى مختلف عن التعددية القطبية التقليدية، ويتميز هذا النظام الجديد بصعود فاعلين غير الدولة القومية كتكتلات الإقليمية الجديدة والشركات والمنظمات غير الحكومية..وهنا إشارة واضحة على أن الإقليمية الجديدة ستلعب دوراً هاماً ومركزياً في بلورة نظام متعدد الأقطاب.