تعد عملية إيجاد رأي عام أزاء قضية معينة ومن ثم السعي إلى جذب أنظار المسؤولين الحكوميين إليها هي أحد الوظائف الأساسية للأحزاب والتيارات السياسية بشكل عام، لذلك ينظر إلى هذه التنظيمات السياسية في هذا الشأن بوصفها مؤشرات وسطية مابين الرأي العام والسلطة السياسية، وإذا ما كان للحزب أو التيار السياسي قاعدته الاجتماعية فأنه يسعى إلى أن يعبر عن آرائها ويصعد وعيها السياسي ومن ثم التأثير فيها لتتخذ الموقف الذي يراه مناسبا ، وعليه فأن الحزب يقوم بوظيفة مزدوجة هي تكوين الرأي العام أولا، والتعبير عنه ثانياً . ففي ما يتعلق بصناعة الرأي العام وتكوينه فان الحزب أو التيار قد يرتبط بايدولوجيا أو نظرية أو عقيدة أو مجموعة مبادئ عامة يقوم على أساسها برامجه في العمل فانه يقوم بالتأثير في آراء الأفراد واتجاهاتهم وتركيزها حول الايدولوجيا التي يمثلها أو المشروع السياسي الذي يسعى لتحقيقه . ومن ذلك تبدو العلاقة بين الأحزاب والتيارات السياسية من جهة والرأي العام من جهة أخرى واضحة ، فالنظام الحزبي ما هو إلا انعكاس لاتجاهات الرأي العام والعكس صحيح، إذ أن الرأي العام واتجاهاته يترك أثره على النظام الحزبي المعمول به في المجتمع. فضلاً عن أن الأحزاب السياسية والرأي العام ما هي إلا عناصر داخل النظام السياسي . وفي ظل التحول السياسي الديمقراطي الذي شهده العراق إثر الاحتلال الأمريكي له في 9/ 4/ 2003، برزت حالة ، غالباً ما توصف بأنها صحية، وهي: (التعددية السياسية) والتي تعني في أبسط معانيها وجود أحزاب سياسية لها برامجها المختلفة وتمثل قوى اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية متباينة تتنافس فيما بينها من اجل كسب الرأي العام للذود بالسلطة السياسية وتحقيق ما تنادي به من أهداف وبرامج. فالأخذ بالنموذج الديمقراطي في الحكم الذي يعتمد الانتخابات كوسيلة لتداول السلطة، قد فتح الباب على مصراعيه لتأسيس حركات وتنظيمات سياسية مدنية عديدة في العراق ، وعودة القوى والتجمعات والأحزاب السياسية التي حرمت من ممارسة عملها ونشاطها داخل العراق بعد أن كان ممنوعاً أي نشاط أو تنظيم سياسي معارض أو غير موالي للسلطة الحاكمة؛ أو تلك التي تأسس خارج العراق، ويمكن تصنيف تلك القوى السياسية في اتجاهين رئيسين هما : الأحزاب والقوى العلمانية، التي تدعو إلى تطبيق العلمانية كنظام حكم في العراق مؤكدين على ضرورة صياغة دستور علماني يدعو إلى فصل الدين عن الدولة وجاعلين من العلمانية الضامن الأول والأخير للحقوق الفردية والمدنية والإطار السليم الذي يوحد جميع أطيافه وقومياته وأعراقه والخيار اللازم للاندماج الاجتماعي والسياسي في المجتمع. والأحزاب والقوى الدينية، التي تعتمد الشريعة الإسلامية كأساس لتصريف شؤون الدولة . ونظرا لكثرة الأحزاب والتيارات السياسية (الدينية والعلمانية) في العراق بعد العام 2003 وتزايد عددها مما ترتب عليه صعوبة الإلمام بدراستها، اقتصر بحثنا على التيار العلماني كنموذج للدراسة بما يتضمنه من أحزاب وتيارات ذات طابع علماني (ليبرالي واشتراكي وقومي)، ولتجنب القراءة السطحية لهذه التيارات عمد الباحث إلى اختيار نموذج محل الدراسة عن كل تيار من هذه التيارات العلمانية الثلاثة من زاوية أثرها في الرأي العام العراقي. واعتمد الباحث على العملية الانتخابية التي شهدها العراق (من 2005 إلى 2010) كمعيار لقياس مدى قدرة هذه التيارات على صناعة الرأي العام في العراق عن طريق قراءة نتائج الانتخابات التي جرت، والظروف والتطورات التي شهدتها كل منها، فضلا عن اعتماد بعض استطلاعات الرأي العام والدراسات التي أجريت في العراق لرصد اتجاهات الرأي العام العراقي أثناء تلك الفترة، وذلك لصعوبة القيام بالدراسة الميدانية الشاملة. وبعد تحديد وزن القوى السياسية العلمانية وقدرتها على صنع الرأي العام في العراق، وجد الباحث ضرورة البحث في إمكانيات ومعوقات التيارات السياسية العلمانية، عن طريق القراءة المعمقة في الإمكانيات الموضوعية منها والذاتية – إعلامية وتعبوية - لهذه التيارات، وعن طريق تبيان المعوقات الديموغرافية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية – الدستورية.