التوازن الااستراتيجي الأقليمي في منطقة الشرق الاوسط بعد عام 2003

number: 
1373
عربية
Degree: 
Author: 
فراس محمد احمد علي الجحيشي
Supervisor: 
الدكتور علي حسن نيسان
year: 
2011

يعد موضوع التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط واحدا من أهم الموضوعات التي استحوذت على اهتمام الباحثين والمفكرين، ذلك نظرا لما تتمتع به هذه المنطقة من إمكانات وقدرات ذات تأثير كبير على المصالح الإستراتيجية الدولية ومن ثم التوازنات الدولية والإقليمية،إذ شهدت منطقة الشرق الأوسط صيغاً توازنية كثيرة كانت كل منها تعبير عن الظروف والمتغيرات التي سادت في كل مرحلة،ففي مرحلة الحرب الباردة كان التوازن الاستراتيجي في المنطقة انعكاسا لطبيعة التوازن الدولي الذي كان قائما بين القوتين العظميين(الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق)،أما بعد انتهاء الحرب الباردة وبروز الولايات المتحدة الأمريكية قوة عظمي مهيمنة على كافة شؤون الأقاليم ومنها منطقة الشرق الأوسط،فان التوازن الاستراتيجي في هذه المرحلة قد تأثر كثيرا وذلك بفعل طبيعة الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة خاصة بعد حرب الخليج الثانية(1991) وما نتج عنها من أثار خطيرة انعكست وبصورة مباشرة على التوازنات الإقليمية في المنطقة، وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 شهدت منطقة الشرق الأوسط تغيرات كبيرة سياسياً وعسكرياً،رافقتها مشاريع وترتيبات جديدة حاولت الولايات المتحدة إدخالها إلى المنطقة من اجل تطويعها للإستراتيجية الأمريكية القائمة على الهيمنة والنفوذ، والتي كان لها اثاراً خطيرة انعكست بصورة مباشرة على التوازن الاستراتيجي في المنطقة.
وتكمن أهمية هذه الدراسة في عدة اعتبارات لعل أبرزها ما يأتي:
-إنها تناولت المنطقة بقواها الفاعلة على وفق ماتمتلكه من قدرات وإمكانات في دراسة واحدة تعالج جدلية التفاعلات المعقدة فيما بينها، عن طريق تتبع مسارات تأثير أي حدث يبرز في جزء معين فيها على عموم المنطقة أو أجزاء واسعة منها من منظور واحد وفقاً لمصالحها الحيوية المتنامية جراء سمة الترابط العضوية النسبية الوثيقة بين هذه الأجزاء.
- إعادة قراءة الأحداث السياسية الرئيسة المنتقاة بصورة متأنية، على وفق منهجية مقترحة تعطي الأولوية لصيغ ومفاهيم التوازن السائدة في كل مرحلة.محاولة التصدي لأهم المعضلات التي تواجه دول المنطقة كمعضلة الآمن وعدم الاستقرار من خلال إعادة تشخيص وإبراز بعض القضايا الخلافية العالقة التي تمثل محور مجمل الصراعات الدائرة فيها، سيما تلك المؤثرة في طبيعة وواقع الصيغ التوازنية (القائمة أو المقترحة)، نظراً لما لها من تأثير رئيس على طبيعة الأدوار المستقبلية المتوقعة للقوى الإقليمية الفاعلة على المستويين (الداخلي والخارجي).
-كما أن الموضوع قد برزت أهميته كونه موضوعاً قليل الطرح على صعيد الدراسات الإستراتيجية ، من خلال قلة من بحث في موضوع التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط و أبعاده المستقبلية ، إذ إن غالبية الدراسات السابقة قد أخذت بموضوع التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط من جانب قوة إقليمية واحدة ،في حين أن هذه الدراسة قد بحثت في أهم الدول الممثلة للإقليم و إظهار أهم توجهاتها و ميزان القوة و الخلل الاستراتيجي الحاصل فيها بعد احتلال العراق عام 2003 وصولاً إلى مستقبل هذه الدول في التوازن الاستراتيجي داخل منطقة الشرق الأوسط و الدور الذي يُمكن أن تمارسه فيها. ويتناول البحث بالدراسة والتحليل التوازن الاستراتيجي الإقليمي في الشرق الأوسط بعد عام 2003، إذ أشر الاحتلال الأمريكي للعراق وجود خلل خطير في توازنات القوى الإقليمية القائمة في المنطقة، كما أكد ان هناك أزمات أخرى جعلت من المنطقة بؤرة للصراع، مما كان مدعاةً إلى طرح التسأول المركزي وهو: "كيف أصبح شكل التوازن الاستراتيجي وطبيعته في منطقة الشرق الأوسط بعد عام 2003، ولماذا ؟". إن طبيعة هذه الدراسة تقوم على فرضية مفادها:( انه بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وما نتج عنه من اختلال كبير في التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط،أصبح مطلوبا إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية في المنطقة بصيغ وأشكال جديدة للوصول إلى قاعدة صلبة تجسد المصالح الإقليمية والدولية المشتركة وتحقيق أمن واستقرار نسبي حقيقي في المنطقة). وقد استخدمت هذه الدراسة عددا من المناهج من اجل تقديم تصور عام عن الدراسة ، أبرزها: المنهج التاريخي، ومنهج التحليل النظمي، والمنهج المقارن الحديث، والمنهج الاستشرافي (الاحتمالي) المشروط الذي لا غنى عنه في الدراسات الإستراتيجية والمستقبلية. وفي ضوء تحديد الإشكالية التي انطلقت منها الدراسة، وفرضيتها الأساسية، توزعت هيكلية الدراسة إلى خمسة فصول، فضلاً عن مقدمة وخاتمة تتضمن الاستنتاجات التي توصلت إليها. أما الفصل الأول فعنوانه: الشرق الأوسط (المفهوم والأهمية والمكانة)، أما الفصل الثاني فعنوانه : التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط (الماهية والطبيعة،أما الفصل الثالث: جرى البحث فيه عن الاحتلال الأمريكي للعراق وأثره في التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط بعد عام 2003،أما الفصل الرابع فعنوانه: المتغيرات المؤثرة في الأداء الاستراتيجي للقوى الإقليمية الفاعلة في التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط بعد عام 2003، أما الفصل الخامس والأخير فقد جاء تحت عنوان: مستقبل التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط بعد عام 2003 . وقد توصلت الدراسة إلى استنتاجات عدة أهمها:
-إن منطقة الشرق الأوسط لها من الخصائص والمميزات التي تؤهلها لدخول دائرة الكتل الإقليمية الأكثر تأثيراً في مسار الأحداث الدولية الرئيسة.
-إن التوازن الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة وما بعدها كان محكوما بطبيعة التفاعلات بين القطبين العظميين،فضلا عن أن أداء القوى الإقليمية في تلك الفترة كان أكثر فاعلية بحكم هامش المناورة الإستراتيجية التي كانت تتمتع بها على العكس من ذلك بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي مما أدى إلى انعدام هامش المناورة الإستراتيجية أمام القوى الإقليمية وذلك نتيجة هيمنة الولايات المتحدة على مجمل تفاعلات الإقليم.
-إن العراق كان يشكل إحدى القوى الإقليمية الرئيسة في التوازن الاستراتيجي في المنطقة،إلا انه بعد احتلاله عام 2003، خرج نهائيا من معادلة التوازن الاستراتيجي،الأمر الذي أدى بدوره إلى إحداث خلل كبير في التوازن الإقليمي.
-إن ادوار القوى الفاعلة من جهة، وفعالية أداء الصيغ االتوازنية لقائمة على المستوى الإقليمي من جهة أخرى، مازالت تمثل في معظم جوانبها انعكاس لإرادة القوى الدولية صاحبة المصلحة الحيوية في المنطقة إلى حداً كبير.
إن تجاه دول المنطقة الفاعلة نحو تفعيل أدوارها في حدود المنطقة وجوارها، إنما تنتج عن تفاعل ثلاثة محددات محلية وإقليمية ودولية.
-أشارت الدراسة إلى مجموعة من المتغيرات المؤثرة في الأبعاد الإستراتيجية لأداء القوى الإقليمية الفاعلة التوازن الاستراتيجي فـي الشـرق الأوسط ومثل هذه المتغيرات تنبع في الأساس من البيئة الداخلية لهذه الدول وتـؤثر في شكل التوازنات الإقليمية للمنطقة.
-ويمكننا القول، إن المستقبل سيشهد قيام (التوازن) بصور متعددة، دون ان تكون القدرة لأي طرف من أن يهيمن لوحدة على شؤون الإقليم، وستتوزع احتمالات صور التوازن في المستقبل بين (التوازن المتعدد الأطراف) و (التوازن المحوري) و (التوازن المستند إلى دور الدولة المحورية)، وسيكون لكل من هذه الاحتمالات عدد من المعطيات الداعمة والكابحة لقيامه، إذ أن هذه الدراسة ومن خلال استعراضها لهذه الاحتمالات لاتشير إلى تحقق احتمال بحد ذاته، وإنما تشير إلى أن هذه الاحتمالات سوف تعمل وبصورة مستقلة إحداها عن الأخرى إلى أن تتوفر الفرص الداعمة لقيام إحدى هذه الاحتمالات، أو قيام شكل أخر من أشكال التوازن الإقليمي الذي يجمع بين العناصر الأساسية المكونة لإشكال التوازن الوارد ذكرها،وذلك لأن منطقة الشرق الأوسط تعد من اعقد المناطق في العالم من حيث توقع ما ستؤول إليه الأحداث فيها، فضلا عن كونها منطقة تتداخل فيها المصالح وتتعارض فيها السياسات وتتشابك فيها الاستراتيجيات وهذا ما يجعلها منطقة يصعب التكهن بها، وان الباحث من خلال استعراضه لبعض الاحتمالات إنما استند في ذلك إلى النتائج التي توصل إليها من خلال البحث في ثنايا الدراسة، فضلا عن توفر بعض المعطيات والمؤشرات التي استند إليها الباحث في ذلك.