الاحزاب السياسية وصنع السياسة العامة في تركيا تجربة حزب العدالة والتنمية

number: 
1449
عربية
Degree: 
Author: 
يزن خلوق محمد ساجد
Supervisor: 
الدكتور اكرم عبدالله الجميلي
year: 
2012

تتمیز السیاسة العامة التي یقررها وینفذها النظام السیاسي بالتنوع والشمول والتغلغل الذي یمس كافة جوانب الحیاة السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة والعسكریة والثقافیة في المجتمع، وصنع السیاسات العامة للدولة هي عملیة سیاسیة في المقام الأول، وتتمیز بالصعوبة والتعقید وتختلف طبیعتها وإجراءاتها من دولة الى أخرى تبعاً للنظام السیاسي، ودور القوى والمؤسسات الرسمیة وغیر الرسمیة في كل منها، وتلعب الأحزاب السیاسیة دوراً هاماً في عملیة صنع السیاسة العامة نظراً لما تتمتع به الأحزاب من قدرة على تنظیم وتجنید الجماهیر فضلاً عن كونها أداة وسیطة بین الجماهیر والسلطة السیاسیة. وتكتسب دراسة الأحزاب السیاسیة التركیة أهمیتها من كونها أهم عناصر البیئة والقوى السیاسیة المؤثرة في عملیة صنع السیاسة العامة التركیة، فضلاً عن عناصر أخرى مؤثرة بشكل فاعل في الحیاة السیاسیة التركیة مثل المؤسسة العسكریة وجماعات المصالح والتي ینضوي
تحتها النقابات العمالیة والمهنیة ورجال الأعمال، كما تعد الطرق والجماعات الدینیة من القوى السیاسیة والاجتماعیة الفاعلة والمؤثرة في عملیة صنع السیاسة العامة، بالإضافة إلى الرأي العام ووسائل الإعلام
وعلى الرغم من الطابع المؤسساتي الذي یصبغ عملیة صنع السیاسة العامة التركیة إلا أنّ المؤسسة العسكریة أثبتت أنها اللاعب الأقوى في الحیاة السیاسیة، ربما لان الجیش یعد الحامي الأول لعلمانیة الدولة التي انبثقت عن إعلان الجمهوریة التركیة سنة ١٩٢٣ وإنهاء الخلافة العثمانیة سنة ١٩٢٤ على ید مصطفى كمال أتاتورك الذي قام بدور نشط في تحویل تركیا إلى دولة علمانیة، والتي استطاع الجیش فیما بعد أن یكون اللاعب الأبرز في صناعة السیاسة العامة فیها، وذلك من خلال عدد من الانقلابات العسكریة على المؤسسة السیاسیة التركیة، حیث استطاع الجیش تحت شعار حمایة العلمانیة التحكم بمسیرة البلاد السیاسیة من خلال ثلاث عملیات انقلاب فعلیة في الأعوام ١٩٦٠ و ١٩٧١ و ١٩٨٠ ، كما ساعد على الإطاحة بحكومة . نجم الدین اربكان ذات التوجه الإسلامي سنة ١٩٩٧ لكن بعد استلام حزب العدالة والتنمیة الحكم في العام ٢٠٠٢ تغیرت المعطیات كلیاً، وعمل الحزب وقادته على إحداث تغییرات داخلیة سیاسیة ودستوریة وقانونیة واقتصادیة واجتماعیة، والتي أدت إلى حدوث تحولٍ جذري في المشهد السیاسي التركي، إذ كانت السیاسة العامة التركیة محكومة قبل ذلك من قبل المؤسسة العسكریة، حیث كانت الحیاة السیاسیة واقعة تحت تأثیر المؤسسة العسكریة بصورة مباشرة في أوقات الانقلابات العسكریة وبصورة غیرمباشرة عن طریق مؤسسة القضاء، إلا انه بعد تولي حزب العدالة والتنمیة السلطة أصبح الفاعل الأساسي للسیاسة العامة في تركیا., تكمن أهمیة هذه الدراسة في كونها تتعلق بدراسة عملیة صنع السیاسة العامة في تركیا ودور الأحزاب السیاسیة والقوى والمؤسسات الرسمیة وغیر الرسمیة الفاعلة والمؤثرة فیها منذ ، تأسیس الجمهوریة التركیة عام ١٩٢٣ وحتى استلام حزب العدالة والتنمیة السلطة عام ٢٠٠٢ وذلك لما تمثل المعرفة بعملیة صنع السیاسة العامة في تركیا من أهمیة بالنسبة للمنطقة عموماً والوطن العربي والعراق خصوصاً على اعتبار أن فهم عملیة صنع السیاسة العامة في تركیا توفر خلفیة للباحثین في فهم السلوك السیاسي لصنّاع القرار في تركیا.
فرضیة الدراسة:
طالما أنّ الإطار العام لصنع السیاسة العامة في تركیا محكوم بالتوجهات العلمانیة التي ترعاها كل من مؤسسة القضاء والمؤسسة العسكریة، فان حزب العدالة والتنمیة اتبع سیاسة قائمة على المناورة بالداخلي من جهة (كالنجاحات الاقتصادیة لحزب العدالة والتنمیة والتفهم الكبیرلحمایة الحقوق والحریات الشخصیة)، والعامل الخارجي من جهة أخرى وذلك باستخدام ورقة الاتحاد الأوربي والمعاییر المطلوبة لعضویته، وبهذا مثلت هذه السیاسة سنداً یؤمن لحزب العدالة والتنمیة التأثیر الفاعل في صنع السیاسة العامة وإحداث التغییرات التدریجیة في هیكل المجتمع التركي دون أن تتصدى لها المؤسسة العسكریة كالمعتاد.
منهجیة الدراسة:
اعتمدت هذه الدراسة والتي تركز على دراسة الأحزاب السیاسیة ودورها في صنع السیاسة العامة التركیة على منهج التحلیل النظمي، والذي یعتمد على تحلیل المعطیات الخاصة بالدراسة والمتعلقة بالسیاسة العامة التركیة والقوى والعناصر المؤثرة فیها، كما استخدمنا بعض المناهج المساعدة مثل المنهج التاریخي والذي یعتمد على دراسة التاریخ السیاسي الحدیث والمعاصر لتركیا لإعطاء وصف تاریخي عن ادوار الأحزاب السیاسیة في صنع السیاسة العامة وفق التطورات الدستوریة التي شهدتها تركیا، كما استخدمنا المنهج القانوني في دراسة نصوص الدستور التركي لتوضیح دور القوى والمؤسسات الرسمیة وغیر الرسمیة في صنع السیاسة العامة في تركیا.
هیكلیة الدراسة:
تتألف هذه الدراسة من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة: الفصل الأول خصصناه كإطار نظري للأحزاب السیاسیة وعملیة صنع السیاسة العامة ویتكون من ثلاثة مباحث، تناولنا في المبحث الأول دراسة الاحزاب السیاسیة من حیث تحدید مفهومها ووظائفها ودراسة أنواع النظم الحزبیة، وفي المبحث الثاني تناولنا عملیة صنع السیاسة العامة من حیث تحدید مفهومها ومراحل صنعها، وكذلك تحلیل وتقییم السیاسة العامة، ویتضمن المبحث الثالث القوى والمؤسسات الرسمیة وغیر الرسمیة المؤثرة في صنع السیاسة العامة. وفي الفصل الثاني تناولنا صنع السیاسة العامة في تركیا وذلك من خلال ثلاثة مباحث، خصصنا المبحث الأول لدراسة محددات صنع السیاسة العامة في تركیا الجغرافیة والعسكریة والاقتصادیة والاجتماعیة، وضم المبحث الثاني القوى والمؤسسات الرسمیة وغیر الرسمیة المؤثرة في صنع السیاسة العامة في تركیا، أما في المبحث الثالث فتناولنا الأحزاب السیاسیة ودورها في صنع السیاسة العامة التركیة بحسب التطورات الدستوریة وذلك بموجب دستور ١٩٢٤ ودستور . ١٩٦١ ودستور ١٩٨٢ أما الفصل الثالث والأخیر فقد خصصناه لدراسة حزب العدالة والتنمیة وصنع السیاسة العامة في تركیا كأنموذج وذلك من خلال ثلاثة مباحث، تناولنا في المبحث الأول نشأة وتطورحزب العدالة والتنمیة وكذلك تناولنا الانتخابات البرلمانیة للعام ٢٠٠٢ ، وأزمة رئاسة الجمهوریة والانتخابات البرلمانیة للعام ٢٠٠٧ ، وفي المبحث الثاني تناولنا سیاسة حزب العدالة والتنمیة على الصعید الداخلي حیث تناولنا فیه سیاسة الحزب تجاه مسالة الحقوق والحریات الشخصیة وسیاسة الحزب تجاه القضیة الكردیة وسیاسته تجاه المؤسسة العسكریة، أما المبحث الثالث فتضمن سیاسة حزب العدالة والتنمیة على الصعید الخارجي، وتناولنا فیه سیاسة الحزب تجاه الاتحاد الأوربي والولایات المتحدة الأمریكیة، وسیاسته تجاه العالم العربي والإسلامي، وسیاسته تجاه إسرائیل.__