تعد الاستراتيجية الامريكية بمجملها عملية ديناميكية متعددة ومتكاملة اتفقت جميع فصولها على تحقيق الهدف المراد منها حيث الوصول الى الغاية الاستراتيجية الشاملة وهي تحقيق الهيمنة الامريكية . فهي كما يذهب العديد من المنظرين الاستراتيجين الامريكيين تنطلق من عبارات براغماتية ـ مصلحية دفعتها لتمر بمراحل مختلفة اثناء تطورها . فبعد ان كان الخطر السوفيتي اثناء الحرب الباردة عائقا امام الاستراتيجية الامريكية والمحدد الوحيد لاهدافها الشاملة والتي تمثلت بحماية مصادر الطاقة من سيطرة اية قوة راديكالية عليها وحماية الانظمة الحليفة لها ومساندتها ، تحولت الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة وخروجها منتصرة على التحالف الشيوعي وانشغال اوروبا بترتيباتها الداخلية فضلا عن اوضاع روسيا ـ الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي ـ المتردية ، الى لعب دورها العالمي باعتبارها القوة الوحيدة والكبرى التي لها الحق في خلق نظام عالمي ( جديد ) يخدم مصالحها واهدافها الاستراتيجية . وبالعودة الى القاعدة التي تقول بأن ( تعريف المصلحة عند استراتيجي ومنظري اية دولة يرتبط بمقدار قوتها ) ، فأن الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة عسكريا والمتنافسة مع اليابان واوربا اقتصاديا ، مما اتاح لها العمل على استثمار البيئة الدولية والظروف السائدة انذاك لصالحها في ظل الاوضاع المرتبكة التي تلت الانتصار الكبير للمعسكر الرأسمالي _ الامريكي بعد نصف قرن من الصراع . وهنا برز دور الردع كأحد الاركان الاستراتيجية الامريكية في حسم الصراع الذي كان سائدا طيلة نصف قرن ، حيث تراآى للكثير من المفكرين والباحثين بانتهاء استراتيجية الردع بسسب التغيير الذي حصل في غياب الطرف المردوع ممايعرض العملية الردعية التي كانت سائدة حينئذ الى النقص الحاصل في اهم اركانها بكونها عملية تقع بين طرفين متكافئين نسبيا احدهما الرادع والثاني المردوع ، كما ان الدور المتزايد للعاملين الاقتصادي والتكنولوجي الذي طغى على حساب العمل العسكري ولو لفترات متناوبة ساعد في نمو مثل تلك الاراء التي رأت بانتهاء عامل الردع وتلاشيه خاصة بعد ظهور سلسلة من الاستراتيجيات التي كان لها اثرها في العلاقات الدولية كحقوق الانسان وحقوق الاقليات والعولمة والديمقراطية وافول نظرية السيادة وغيرها . وبمرور السنين ووصولها الى مطلع القرن الحادي والعشرين بدأ الكلام عن نهاية نظرية الردع كأستراتيجية لها ثقلها ووزنها في الهرم الاستراتيجي الامريكي أمر غير واقعي . أذ ان عدم التكافؤ بين الطرف الامريكي الرادع واي طرف اخر مردوع لايعني انتهاء نظرية الردع ، بل هو اشارة لبداية استراتيجية جديدة تحوّل بموجبها الردع من حالة الدفاع الى حالة الهجوم مما اضاف لها ابعاد جديدة عرفت بعد حين بالاستراتيجية الوقائية ، ساعدها في ذلك الثورة الهائلة في المجال العسكري والتي فتحت ابوابا جديدة امام المصالح الامريكية وتوسعها . وهكذا دخلت الاستراتيجية الوقائية الى الهرم الاستراتيجي الامريكي الشامل واعيد تفعيل دورها ليتلاءم مع طبيعة المتغيرات الدولية الجديدة والتي وجدت منفذا لها لكي ترى النور بعد احداث 11 / ايلول والتي لم تمر بعدها الا ايام قليلة حتى سارعت الادارة الامريكية برئاسة جورج ووكر بوش الى تبني هذه الاستراتيجية وادخالها الحيزالعملياتي لتكون عنوانا للحملة الامريكية لمكافحة الارهاب واستخدام اسلحة الدمار الشامل والبحث عن حقوق الانسان و الديمقراطية . وتتأتى اهمية الدراسة من خلال تبيان دور الردع في الاستراتيجية الامريكية والذي ساهم بجد بتلاشى القطب الثاني في النظام الدولي أيام الحرب الباردة .فضلاً عن افصاحها عن مكانة أستراتيجية ( الردع ) ودوره في الاستراتيجية الوقائية التي تم تبنيها بشكل رسمي بعد احداث 11/ ايلول 2001 في وثيقة الامن القومي الامريكية لعام 2002 والتي عرفت بـ( مبدأ بوش ) . وتؤدي الاستراتيجية دورا مهما في تحقيق الاهداف العليا للدولة، وباختلاف أهمية تلك الاهداف تسعى الدول لتحقيق اهدافها العليا من خلال استراتيجية ملاءمة لخصوصياتها وماتتوافر عليه في امكانات ووسائل وهوامش حركة. وفيما يتعلق بالولايات المتحدة ، فان اهدافها حتمت عليها اتباع استراتيجية كونية ذات طابع شمولي نظرا لضخامة الاهداف ، الامر الذي دفعها لاتباع استراتيجيات خاصة فريدة من نوعها تتسق مع طبيعة الظروف التاريخية التي مرت بها اضافة الى طبيعة العلاقات في النظام الدولي. وهكذا ، قامت الولايات المتحدة بأستثمار التبدل الحاصل في البيئة الدولية حيث غياب القوة الموازنة والكابحة لمشاريعها الكونية ، فأخذت الاستراتيجية الامريكية تغدو وكأنها وجدت قوامها الاربعة حيث شعورها بانها:
1ـ تتحمل مسؤوليات والتزامات عالمية.
2ـ إرساء الحرية والاخلاق على الصعيد الدولي .
3ـ مستقبل العالم يتوقف على مدى رغباتها واستعدادها للتصرف خارجياً وبما يخدم مصلحة العالم .
4ـ قيادة العالم المعاصر .
لقد اصبحت الولايات المتحدة الامريكية بعد الحرب العالمية الثانية في وضع- كما يقول هنري كيسنجر- (يؤهلها لاعادة صب العالم بأسره وفق القالب الامريكي. فقد خرجت الولايات المتحدة من عزلتها وتفوقها اقتصادياً وعسكرياً خاصة في مجال الاسلحة النووية وبذلك اصبحت الهيمنة الامريكية وشيكة لولا وجود الاتحاد السوفيتي والذي شكل عائقاً امام هدف الولايات المتحدة الامريكية الاسمى في السيطرة على العالم وقيادته. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي زال ماكان يحد من الهيمنة الامريكية لتعود هذه الفكرة الى الحياة بعد ما أنجلت أسباب السبات التي كانت تحيطها . ويعد الردع استراتيجية قديمة قدم معرفة الانسان بالحرب ، حيث كان مرافقاً لها منذ نشأتها، وقد ساد في الماضي وتطور مع تطور حجم الصراع وتعددت انواعه ومشاكله. وقد أدت المتغيرات الدولية خاصة بعد الحرب الباردة دوراً مهماً في انتقاله الى مستوى اخر غيّر من مهامه واهدافه ووسائله . فبعدما كان مقتصراً على الجانب العسكري والمسائل العسكرية تعداها ليشمل الجوانب الصراعية الاخرى بغض النظر عن طبيعة علاقات الدول من حيث التعاون او الحرب. فضلاً عن مساهمته في تحقيق التوازن الدولي من خلال مستويين هما الاقليمي والدولي لدعم الحفاظ على السلم والامن الدوليين( وهذا ماثبت في هذه الدراسة) . يتأثر الردع كاستراتيجية فاعلة لتنفيذ الاهداف الاستراتيجية للدولة بعوامل داخلية وخارجية باعتباره نظاماً يتأثر بالمدخلات والتي في مقدمتها المتطلبات الاساسية له وتاثير النظام الاشمل- البيئة الدولية - ، وينتج عنه المخرجات والتي فيما بعد تتغير بسبب التغذية العكسية للبيئة الدولية وهذه بدورها تهدف الى تحقيق هدف محدود في النظام الدولي . وهذا يعتمد على موقع الدولة في النظام الدولي وقوة ردعها ومصداقية امكانياتها وقدراتها. ويعتمد النظام الردعي على الامكانيات والقدرات الذاتية والموضوعية التي توظف خدمة للعمل الردعي متفاعلة مع حضور النية لاستخدام هذه الامكانيات وسبل توصيلها للخصم لضمان مصداقية التهديد. فنجاح الردع النووي في تجنب الحرب النووية خير مثال على ذلك حيث نستطيع القول انه ومنذ عام 1945 عمل الردع وبصورة فاعلة على منع الحرب النووية ، على الرغم من بعض فترات التوتر الدولي، حيث يتطلب الطرف الرادع عدم اللجوء الى افعال من شأنها ان تؤدي الى تصعيد الازمة الى مستوياتها العليا وان يسمح للطرف المردوع مجالاً للاختيار بين عدة بدائل وليس بديلاً واحداً فقط. كما لعبت المتغيرات الدولية سواءاً في حقبة ما بعد الحرب الباردة أوما بعد احداث 11/ ايلول 2001 في تبدل الدور الردعي من حالة الدفاع الى الهجوم وكيفية استخدام مختلف الوسائل والامكانيات لتوظيف الردع كاستراتيجية هجومية. وهذا ما تجسد بدوره في الاستراتيجية الوقائية الامريكية. وقد دل تنوع التدابير التي ارتكزت عليها الاستراتيجية الامريكية الشاملة والتي حكمت بدورها توجهات سياساتها الخارجية طيلة الفترة الممتدة من الحرب العالمية الثانية وخلال فترة الحرب الباردة وماتلاها أي الفترة التي اعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 ، علماً ان الفكر الاستراتيجي الامريكي قد مر بمراحل مختلفة في نموه ، مما اضاف له قاعدة اساسية يستند عليها في مواجهة كل ما يهدده ويهدد الامن القومي الامريكي والمصالح الامريكية . وكل ذلك فرض على الادارة الامريكية تنوع استراتيجياتها تبعاً للمرحلة التاريخية التي تمر بها وتبعا لظروفها ومتغيراتها لتبقى محافظة على تكيفها المستمر مع البيئة الدولية ومتغيراتها. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وخلو الساحة الدولية من المنافسين سعت الولايات المتحدة ليكون القرن الحادي والعشرين قرناً امريكياً ، وتطلب ذلك تبني استراتيجية شاملة تختصر فيها كل المسافات وتستغل كل ما تعلمته خلال تجاربها السابقة لتمنع أي منافس لها من الظهور والهيمنة كقطب منافسٍ لها او منع أي تهديد او أي عدو يعيق الحلم الامريكي. وفعلاً تبنت الادارة الامريكية الاستراتيجية الوقائية وأتخذت منها خطاباً وسلوكاً امريكياً واضحاً بعد احداث 11/ ايلول 2001 .أذ ان الهدف منها القضاء على أي تهديدات مستقبلية وفي مهدها او حتى ان لم تولد بعد . أي الاعتماد على نواياها لضمان هيمنتها على الساحة الدولية. وتأسيساً على ماتقدم ، كان لابد من تناول الاستراتيجية الوقائية بتحليل دقيق وبصورة وافية نظراً لما تمثله تلك الاستراتيجية من مكانة واهمية في الاستراتيجية الامريكية الشاملة . فلكل مرحلة تاريخية استراتيجية خاصة بها . وتقوم العديد من الدول على تحديد استراتيجياتها تبعاً لاهدافها ومصالحها العليا واستناداً الى مبادئها مع مراعاتها للاعراف الدولية. اما الولايات المتحدة الامريكية فان استراتيجياتها لا تحكمها المباديء او الثوابت او الاخلاقيات وانما تتعدد وتتنوع حسب حجم الهدف او الغاية الاساس لها أي انها تحكمها المصلحة العليا . لذا نلاحظها تقوم بالعديد من الاعمال العدوانية تحت غطاء الشرعية الدولية والتي لاتخضع لها باعتبارها القطب الاوحد عسكريا وسياسيا. لذا فان الاستراتيجية الوقائية الامريكية التي تم اعادة توظيفها بعد احداث 11/ ايلول جاءت لتبرهن على ذلك حيث بدأت الولايات المتحدة بتقسيم العالم الى محورين عن طريق اطلاقها لعبارة ان تكون معنا او علينا لترفعها شعاراً ضد الدول التي لا ترغب بها ومن هنا تم اعادة الاستراتيجية الوقائية الى حيز الوجود بعد ان كانت الاختلاف كبيراً في شأنها لانها لم تحمل صفة الشرعية الدولية. وهكذا فقد انطلقت هذه الاستراتيجية الردعية الجديدة لتأخذ مجراها في الفكر الاستراتيجي الامريكي والتي تجسدت من خلال الغزو على افغانستان واحتلال العراق ليتم بذلك توجيه ضربة وقائية ردعية الى تلك الدول ودول المنطقة المحيطة بها من خلال سيطرتها على منابع البترول والسيطرة الاستخباراتية على ما يحيط تلك الدول لمنعها من عرقلة الاهداف الامريكية المستقبلية. ونظراً لاهمية الوقائية الردعية في الوقت الحاضر كان لابد من تناولها في فصل خاص بها لتبيان اهميتها ودورها في الفكر الاستراتيجي الامريكي من خلال اخذ مستقبل مكانة الردع في الاستراتيجية الوقائية الامريكية اضافة الى جدليات التداخل والتقاطع بينهما . يرى الكثيرون بان الولايات المتحدة الامريكية اعتمدت وبشكل اساسي على استراتيجية الردع خلال حقبة الحرب الباردة، اما بعد انتهاء الحرب الباردة فقد ظهر جدل حول امكانية بقاء هذه الاستراتيجية، فهل ستستمر خلال الحقبة القادمة ام سيتم اضافة بعض التعديلات لها او يتم استبدالها باخرى ؟ وبالرغم من ان كفة الرجحان تميل الى بقاء هذه الاستراتيجية لكن ليس بمفردها بل باضافة بعض التعديلات لها. ومن اهم تلك التعديلات والتي دفعتها للتحول من الدفاع الى الهجوم هو الاستراتيجية الوقائية. من خلال ماتقدم نلاحظ بأن الفكر الاستراتيجي الامريكي بني على مجموعة من القيم الليبرالية التي جاءت متلاءمة مع مصالح الولايات المتحدة العليا، وهذه القيم هي نتاج مراحل عديدة من التطورالذي ارساها الى ماهي عليه الان . فقد مثل انهيار الاتحاد السوفيتي ، انتهاءاً للحرب الباردة التي بدورها عززت الموقف الامريكي وسعيه لخلق جو ملاءم لتحقيق الهيمنة . حيث قامت الولايات المتحدة قبل كل شيء بأعادة هيكلة النظام الدولي مع الاخذ بالاعتبار المصالح الامريكية العالمية ، وهي بالتالي ليست حالة ثابتة وجامدة وانما هي حالة حية متغيرة تتناغم مع طبيعة المراحل والظروف التاريخية ونوعية التهديدات وتغيرها من عصر الى اخر . لذا فالعبرة في الاستراتيجية الامريكية لاتكمن في مجرد وجود عناصر القوة فيها وانما في عملية استثمارها وتوظيفها . لقد اتجهت الاستراتيجية الامريكية بعد الحرب الباردة نحو السيطرة على العالم بمسميات وعناوين مختلفة كالنظام العالمي الجديد والعولمة والاحادية القطبية وكذلك الديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق الاقليات ومكافحة الارهاب وصولاً الى الاستراتيجية الاستباقية والوقائية . وعلى الرغم من ان الاستراتيجية الامريكية هي استراتيجية حية ومتغيرة، الا انها بدت ذات مصالح ثابتة ، وقيمها نتاج مراحل تطورية ، وقد جاءت الاستراتيجية الوقائية مكملة لاستراتيجياتها السابقة وبالذات استراتيجية الردع التي استطاعت ليس فقط دحر الاتحاد السوفيتي وانما تفكيكه وتلاشيه ، حيث اعطت هذه الاستراتيجية الدور القيادي للولايات المتحدة وجعلت العالم يخضع لقوتها من خلال الاعتماد على النوايا الداخلية لدى الاطراف الاخرى بغض النظر عن مدى مصداقيتها .
ولعل اهم ماتوصلت اليه هذه الدراسة الآتي : ـ
1ـ ان الاستراتيجية الامريكية الشاملة هي استراتيجية ثابتة ذات جوانب مصلحية ( براغماتية ) وهي في نفس الوقت غير تقليدية ( كلاسيكية ) وانما متجددة ومتطورة ومدعمة بالظروف الدولية والاحداث التي تقصف بالنظام الدولي.
2ـ ان الاهداف والمصالح الامريكية بالرغم من تنوعها وتعددها، الا انها تنصب دائماً لخدمة المصلحة الامريكية انطلاقاً من القاعدة التي تقول ( لاعدو ثابت ولا صديق ثابت انما هناك مصلحة ثابتة ) . وهذا التنوع والتعدد في المصالح والابعاد والاهداف يصب كله في هدف استراتيجي واحد وهو تحقيق الهيمنة العالمية .
3ـ ان الاستراتيجية الامريكية كانت قبل الحرب العالمية الثانية لاتستند الى اسس ثابتة ، وكانت مزيجاً من الخطط العسكرية التي دافعت عن فكرة اقامة دولة فدرالية تلم الولايات المشكلة بموجب الدستور ، وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت الولايات المتحدة بوضع خطط الانفراد بالهيمنة على العالم كهدف نهائي لها ، حيث بين احد الاستراتيجين الامريكين ذلك عندما امتلك الاتحاد السوفيتي القنبلة النووية بقولة ( لقد خططنا لمدة خمسين عاماً لانهاء الاتحاد السوفيتي ) . وبالفعل فأن ذلك قد تم من خلال تبني اول استراتيجية امريكية والتي عرفت بأستراتيجية الاحتواء لتعقبها بعد ذلك العديد من الاستراتيجيات كانت اهمها استراتيجية الردع والتي نجحت في ابعاد القطب المنافس لها من التأثير على هدفها النهائي (الهيمنة).
4ـ ان استراتيجية الردع الامريكي لم يكن لها وجود قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بسسب امتلاك السلاح النووي من قبل طرف واحد وهو الولايات المتحدة ، وقد ظهرت هذه الاستراتيجية بعد امتلاك السوفيت للسلاح النووي ، وهكذا فقد تبلور مفهوم الردع النووي ليتجاوز بدوره المفهوم التقليدي للردع والذي كان مقتصراً على كمية الاسلحة الممتلكة ومدى تطورها ـ باستثناء السلاح النووي ـ وكذلك الردع فوق التقليدي والذي كان يقتصر على الاسلحة النووية والكيمياوية وغيرها ، في حين اقتصرالردع النووي على التلويح باستخدام السلاح النووي فقط .
5ـ ان من عوامل نجاح الردع الامريكي هو التوفر الكامل لكل شروطه وادواته ، حيث توفرت شروط نجاح عملية الردع لدى الولايات المتحدة من خلال وجود الامكانيات والقدرة على توظيفها اضافةً الى كثرة الوسائل المتوفرة لايصال الرسالة الردعية والتي جاءت متناغمة مع توفر عنصر المصداقية من خلال استخدام السلاح النووي على اليابان واستسلامها ، اضافةً الى الخبرة التي تراكمت نتيجة الاستمرار في اتباع تلك الاستراتيجية اثناء الحرب الباردة .
اما وسائل الردع الامريكي فقد توفرت بصورة واضحة من خلال الوسيلة السياسية والتي تمثلت بوجود حلف الشمال الاطلسي والوسيلة العسكرية المتمثلة بوجود نظام الدرع الصاروخي والوسيلة الاقتصادية المتمثلة بالقدرة على توظيف استراتيجية الحصار اضافة الى الوسائل الثقافية الاخرى .
6 ـ ان مهمة الردع الامريكي كانت قبل انتهاء الحرب الباردة مهمة دفاعية تمثلت في عدم تشجيع العدو على اتخاذ عمل عسكري وذلك بأن يعرف مسبقاً بأن حجم التكاليف والمغامرة تتجاوز ما يتوقعه من ارباح ، وبالتالي ادركت الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة ، بأن هذه المهمة الدفاعية هي وسيلة سلبية فقط ، واتجهت الى الوسيلة الايجابية للردع بعد الحرب الباردة عن طريق التهديد بأتخاذ اجراءات هجومية انتقامية تشمل منع الخصم من القيام بعمل ما ، اوحتى في الرد على اعمال قد تقوم بها الولايات المتحدة ضده ، وهذا ماتجسد بالتبني الامريكي لاستراتيجية الضربة الوقائية .
7ـ بعد ان كانت استراتيجية الردع احدى اركان الاستراتيجية الامريكية في سياستها الخارجية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى انفكاك الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة ، توقع الجميع ومن ضمنهم المنظرين الاستراتيجيين الامريكيين تلاشي هذه الاستراتيجية التي اكملت هدفها بتحقيق الانتصار واعلنت بداية الهيمنة الكونية الامريكية . وبالرغم من انعدام الركن المكمل لمعادلة الردع بتلاشي الطرف المردوع الا انها مازالت قائمة ومستمرة في الاستراتيجية الامريكية من خلال ما اضيف لها من تعديلات وتحولات كان اهمها الاستراتيجية الوقائية ، والتي عملت الولايات المتحدة على توظيفها في استراتيجيتها الردعية لتكمل مسيرتها بنجاح ، حيث بين احد المنظرين الامريكيين ذلك بقولة ( كيف يمكن لنا التخلي عن استراتيجية حكمت العلاقات الدولية لمدة خمسين عاما ) ، حيث تكمن فاعلية هذا التوظيف في عاملين اساسيين هما :ـ
الاول : في القدرة على توجيه الضربة الاولى .
الثاني : في القدرة على امتصاص قوة الضربة الثانية .
8ـ ان اخطر مايكمن في استراتيحية الضربة الوقائية هي انها ابدلت مفهوم العدالة والقانون الدولي بمفهوم القوة والاجتياح ، حيث اباحت الولايات المتحدة لنفسها تدمير الاخر بحجة انه قد يشكل خطراً عليها في المستقبل ، كما يمكن للادارة الامريكية ان تتذرع بهذه الاستراتيجية لتوجيه ضربة وقائية ضد اي دولة بحجة انها تقوم بتحضيرات لشن هجمات على الولايات المتحدة وهذا ما حصل في العراق من خلال اتهامه بامتلاك اسلحة الدمار الشامل .
9ـ لقد احدثت الاستراتيجية الوقائية الامريكية نقلةً نوعيةً في التفكير الاستراتيجي الامريكي وخاصةً العسكري منه حيث جعلته يقوم بتنفيذ تبدلات واسعة في تركيبه وذلك من خلال مستويين :ـ
الاول : مستوى المفاهيم ، حيث تطلب الامر تغيير العقيدة الامريكية التي كانت تعتبر الهجمات المفاجئة عمليات غير مشروعة .
الثاني : مستوى الاسلحة ، حيث تتطلب هذه الاستراتيجية انواعاً جديدةً من الاسلحة لجعل القدرات الامريكية اكثر مرونة واكثر قدرة على تحقيق النصر .
وعليه فقد اصبح الفرق واضحاً في المفهوم الردعي الامريكي ، فقبل انتهاء الحرب الباردة والذي كان الردع فيه ذو بعد دفاعي يقوم على التعايش مع الخطر النووي السوفيتي واقامة ترتيبات دفاعية للتأكيد على الرد الامريكي الساحق والمدمر في في حالة اقدام الخصم على عمل ما ، اصبح بعد احداث 11 / ايلول 2001 الردع الامريكي ذو بعد هجومي وقائي من خلال اعطاء الولايات المتحدة لنفسها حق العدوان تحت غطاء الدفاع عن النفس او الوقاية من اسلحة الدمار الشامل .
10ـ واخيراً ، فأن الاستراتيجية الوقائية هي استراتيجية تطورية للاستراتيجية الردعية الامريكية من خلال مايأتي :ـ
1 ـ ان الاستراتيجية الامريكية هي استراتيجية ذات عملية ديناميكية حية وتكاملية ، فكل استراتيجية فيها مكملة للاخرى .
2 ـ الثورة في المجالات العسكرية التي شهدها العالم دفع الولايات المتحدة الى تبني هذه الاستراتيجية ، وهذا هو الحال مع استراتيجية الردع ، حيث كان المحفز لتبنيه هو ماشهده العالم من سباق في التسلح .
3 ـ ان هدف كل من الردع والوقائية هو تحقيق الهيمنة الامريكية .
4 ـ ان مبدأ كلاً من هاتين الاستراتيجيتين الامريكيتين المبادرة بالهجوم لتحقيق الضربة الاولى القاضية والتي قد تنهي المعركة لصالحها .
5 ـ ان الهدف لكل من هاتين الاستراتيجيتين هو منع اي منافس للولايات المتحدة من البروز للحفاظ على العالم الاحادي القطبية في الجانب العسكري وذو القوة العسكرية الوحيدة عالمياً .
6 ـ ارتكاز الردع على التطور في الاسلحة والذي دفع الادارة الامريكية لتبني مشروعها الضخم الذي عرف بحرب النجوم ، وهكذا الحال بالنسبة للاستراتيجية الوقائية التي تبنت مشروع الدرع الامريكي المضاد للصواريخ .
11ـ ان مستقبل الردع الامريكي سيزداد في الصراعات والحروب الامريكية القادمة ، طالما ان التعديلات التي ادخلت فيه كانت جيدة والمتمثلة بالاستراتيجية الوقائية والثورة الهائلة في الشؤون العسكرية ، حيث اثبتت نجاحها في تحقيق اجتياحين عسكريين امريكيين وبفترة محدودة .
12 ـ ومما يؤكد مكانة الردع في الاستراتيجية الوقائية هي انها تقوم على مبداين هما:
1. فكرة الردع المبكر والتي تذهب الى خلق قناعة لدى الخصوم القائمين او المحتملين بأن أي عمل يمكن ان يقدموا عليه ويمس امن الولايات المتحدة في الداخل ويهدد مصالحها الحيوية في الخارج ، فانه سيواجه بضربات وقائية وبدون انذار.
2. مبدأ الضربة الاجهاضية الاستباقية التي تضمن عنصر المبادرة بالهجوم والمفاجئة من اجل تدمير الخصوم اذا حاولوا القيام بأعمال غير مرغوبة من شأنها المساس بأمن الولايات المتحدة، وتوفير مبدأين استراتيجين هما الانتشار الاستراتيجي لقواتها العسكرية لتتلاءم مع المصالح الحيوية التي تشكل العالم كله واقاليمه المختلفة والثاني هو توفير الدعم والغطاء الاستراتيجي لعمل القوات الصديقة والحليفة عسكرياً .
وهكذا ، فأن الاستراتيجية الوقائية هي جزء من الاستراتيجية الردعية التي حكمت العلاقات الدولية منذ منتصف القرن العشرين وماتزال حتى يومنا الحاضر . وان الاستراتيجية الوقائية وان برزت وتم تبنيها بصورة رسمية بعد احداث 11/ايلول 2001 ، الانها هي امتداد تطوري لاستراتيجية الردع وهذا مادلت عليها الملامح الرئسية التي تم تناولها في هذه الدراسة ، واهم ملامحها هي انها قامت على اساس فكرة الردع ، واعادت بذلك المعادلة الردعية الى الوجود بعد غياب احد اطرافها الذي كان يمثل ركنها الثاني ( الطرف المردوع ) . وبذلك تم اعادة التبني الرسمي لهذه الاستراتيجية الردعية من قبل الولايات المتحدة بعد اضافة الاستراتيجية الوقائية عليها والتي تعتمد اساساً بالهجوم المبني على النية والقضاء على الطرف الاخر بالضربة الاولى.
واخيراً ، فأن مكانة الردع في الاستراتيجية الوقائية الامريكية تكمن في اقتراب الاستراتيجية الوقائية من المعنى الهجومي للردع والذي بدوره يعد جزءاً من استراتيجية الردع الامريكي والتي تتكون من معنيين هما الردع الدفاعي والردع الهجومي والذ ي ـ كما ذكرناهما ـ بينهما الجنرال أندريه بوفر .
مكانة الردع في ألاستراتيجية الوقائية الأمريكية
number:
1070
عربية
College:
department:
Degree:
Supervisor:
الدكتور منعم صاحي حسين العمار
year:
2009
Abstract: