السياسة الخارجية التركية حيال الشرق الأوسط 1991-2006

number: 
595
عربية
Degree: 
Imprint: 
علوم سياسية
Author: 
جليل عمر علي
Supervisor: 
الدكتور علي حسن نيسان
year: 
2008

سعت تركيا –لعقود عدة- منذ إنشائها كدولة حديثة، جاهدة إلى توطيد علاقاتها مع الولايات المتحدة و أوربا سياسياً و اقتصادياً و أمنياً و ثقافياً، في حين لم تهتم –بالمستوى ذاته- بمسألة إقامة علاقات مماثلة مع دول الشرق الأوسط و دول الجوار الجغرافي و لا سيما الدول العربية منها. بل ظلت علاقتها متوترة في كثير من الأحيان و تتسم بالتردد و عدم انتهاج سياسة خارجية بالإنفتاح نحو هذه الدول. ومنذ مطلع عقد التسعينيات من القرن العشرين أظهرت تداعيات حرب الخليج الثانية عام (1991)، وأحداث انهيار الإتحاد السوفيتي السابق و زوال هواجسه الأمنية، وعملية التسوية السلمية للصراع العربي-(الإسرائيلي)، وبروز ما يعرف بالنظام الدولي الجديد، و لاحقاً في بداية القرن الحادي و العشرين احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة و حلفائها وتداعياته الكبيرة، تأثيراتها الواضحة على الأوضاع الإستراتيجية في الشرق الأوسط، التي تشكل الدول العربية الجزء الأكبر منها و تشكل تركيا جزءاً مهماً آخر. وتعبر الرؤية التركية عن اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط، بالأساس، من منطلق الاستجابة للموقع الجيوسياسي الذي يفرض على تركيا الاهتمام بالبيئة الإقليمية المحيطة كمصدر تهديد للأمنها القومي أو لإقامة علاقات اقتصادية ذات فائدة لصالح الوطن أو كمجال للحركة و النفوذ الإقليمي و الدولي. وضمن هذا المنظور تصبح تركيا معنية بصورة مباشرة باعتباراتها الإقليمية أكثر من ذي قبل، وهو ما يتطلب مزيداً من الإنخراط في هذه الإعتبارات. وفي بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي كانت المخاوف تجتاح تركيا من فقدان موقعها الإستراتيجي بالنسبة للولايات المتحدة و الدول الغربية عموماً، إلا أن قيام حرب الخليج الثانية أنقذت تركيا من هذه المخاوف و سرعان ما اشتركت ولو بشكل جزئي في الحرب بفتحها المجال الجوي و قواعدها العسكرية أمام قوات التحالف الدولي ضد العراق و أثبتت أنها –تركيا- لا يمكن أن تفقد أهميتها الجغرافية على الرغم من تغير البيئة الدولية من القطبية الثنائية إلى القطبية الأحادية. وعلى الرغم من ذلك أدت الحرب إلى خسائر كبيرة لتركيا سواء من الجانب الاقتصادي أو الأمني. ففي الجانب الإقتصادي، كانت حرب الخليج الثانية و ما تلاها من حصار اقتصادي سبب خسائر كبيرة جداً و خصوصاً الفائدة التي كانت تدر عليها إثر مرور النفط العراقي داخل الأراضي التركية نحو الأسواق العالمية، فضلاً عن أن العراق كان بوابة تركيا نحو الخليج العربي و تمر تجارتها البرية داخل الأراضي العراقية نحو تلك البلدان. أما من الناحية الأمنية فأحدثت الحرب فجوة أمنية داخل الأراضي العراقية إثر سيطرة أكراد العراق على منطقتهم بعد عام (1991)، الأمر الذي شكل مخاوف كبيرة لدى تركيا و سبب لها مشاكل لا تحسد عليها منذ ذلك الحين. بحيث تعاني من تنامي نفوذ حزب العمال الكردستاني و جعل المناطق الكردية داخل العراق موطيء قدم لها و القيام بعمليات عسكرية داخل الأراضي التركية انطلاقاً من الأراضي العراقية، وأجبرت تلك الظروف تركيا على عدم الوقوف مكتوفة الأيدي تجاه هذه المتغيرات الخطيرة بالنسبة لها و قامت تركيا بحملات عسكرية لاجتياح الأراضي العراقية إلا أنها لم تستطع كبح جماح الحزب (PKK)، فضلاً عن المشاكل التي وصلت إلى حد الإنفجار مع سوريا بسبب اتهام تركيا لسوريا باحتضان و دعم حزب العمال الكردستاني داخل أراضيها. أما حرب الخليج الثالثة عام (2003)، أي حرب احتلال العراق، فقد عمقت من مخاوف تركيا تجاه القضية الكردية في ظل تصاعد المطالب الكردية في العراق و التقليل من نفوذها في العراق إثر عدم موافقة البرلمان التركي و الحكومة التركية على فتح الجبهة الشمالية و استخدام أراضيها أمام الولايات المتحدة و حلفائها في تلك الحرب مما أدى إلى فتور في العلاقات التركية مع الولايات المتحدة، فضلاً عن المخاوف التركية من احتمال قيام دولة كردية على حدودها الجنوبية، و استغلال أكراد تركيا و حزب العمال الكردستاني هذا الظرف لرفع مطالبهم القومية تجاهها. وكل ما تقدم، جعل من التوجه التركي حيال إيران يأخذ منحى آخر وهو التنافس بسبب ما مر به الجار العراق، من أجل بسط النفوذ على منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن تنافس البلدين حول الجمهوريات الاسلامية في آسيا الوسطى، و المخاوف الإيرانية من الاتفاقية العسكرية التي أبرمتها تركيا مع (إسرائيل). إلا أنها لا تنفي تعاون البلدين و ربما تنسيق الجهود، حول الأكراد كمسألة مشتركة بينهما. وعلى صعيد الصراع العربي-(الإسرائيلي) اتخذت تركيا سياسة غير متكافئة بين الجانبين ففي الوقت الذي استنكرت العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين، قامت تركيا بتشكيل تحالف عسكري مع (إسرائيل) الأمر الذي أحدث ضجة كبيرة بين الدول العربية و الإسلامية ضد هذا التحالف و حاولت تركيا التقليل من شأن الاتفاق بينهما و عدّته غير موجه ضد أي طرف سواءً كان عربياً أم غير عربي. وعلى الصعيد المائي استخدمت تركيا سيطرتها على منابع مياه دجلة و الفرات ورقة سياسية للضغط على كل من العراق و سوريا لتحقيق مصالحها القومية على الصعيد الأمني لإجبار الجانبين على عدم دعم حزب العمال الكردستاني. و محاولتها مقايضة المياه التركية بالنفط العربي.وإثر المتغير الداخلي وهو فوز حزب العدالة و التنمية ذي التوجه الإسلامي متزامناً مع متغير إقليمي آخر وهو احتلال العراق، وعدم موافقة البرلمان التركي استخدام أراضيها من قبل الولايات المتحدة و حلفائها أحدث تغييراً واضحاً في مسار و توجه السياسة الخارجية التركية تجاه الشرق الأوسط و الدول العربية بشكل الخاص لم يسبق له مثيل من قبل بحيث أدى الموقف التركي من الحرب إلى الفتور في العلاقات مع حليفها الولايات المتحدة –كما ذكرنا- بشكل غير متوقع و إن تداعيات تلك المواقف لا زالت مستمرة على وفق إعتقادنا إلى يومنا هذا.