مدى فاعلية احكام القانون الجنائي في مكافحة الجريمة المعلوماتية

number: 
1616
عربية
Degree: 
Author: 
ليـــــــنا محمد متعب الأسدي
Supervisor: 
الدكتورة زينب احمد عوين
year: 
2012

لقد تناولت هذه الدراسة تنامي ظاهرة الجرائم المعلوماتية عبر الوطنية ، وكيف تخطت آثارها حدود الدول ، فلا مرية ان ثورة الاتصالات عن بعد قد غيرت الكثير من المفاهيم التقليدية التي كانت تسير دفة الحياة قبل بزوغ فجرهذه الثورة , فبدأنا نسمع عن العمليات المصرفية الالكترونية وعن الحكومة الالكترونية وعن المستندات والنقود الالكترونية وعن التوقيع الالكتروني في اطار المعاملات التي تتم عن طريق الشبكة العالمية (الانترنت) الا ان ظهور هذه العمليات الجديدة اوجب توفير الحماية الجنائية لها ضد صور الاعتداء المتطورة , والتي قد تقع عليها بالوسائل الالكترونية المتطورة , الا ان ذلك قد اظهر قصورا كبيرا في النصوص الجنائية الموضوعية والاجرائية , بحيث اصبحت هذه النصوص عاجزة عن كفالة توفير الحماية الفاعلة للمصالح والقيم التي افرزتها ثورة الاتصالات عن بعد . لان الجريمة ظاهرة اجتماعية ، تتأثر طبيعتها وحجمها بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية دوليا ووطنيا ، فقد ظهر للوجود نمط جديد من الإجرام ، تجسد في انتشار الجرائم المعلوماتية أو الالكترونية ، والتي تعتبر من أكبر السلبيات التي خلفتها الثورة المعلوماتية ، لكون هذه الجرائم تشمل في اعتداءاتها قيما جوهرية تخص الأفراد والمؤسسات وحتى الدول في كافة نواحي الحياة ، كما أن هذه الجرائم تركت في النفوس شعورا بعدم الثقة بخصوص التعامل والاستفادة من ثمار هذه الثورة الجديدة.الا ان نظام الحاسب الآلي ليس هو دائماً محل الاعتداء، وإنما غالباً ما يكون وسيلة لارتكاب الجريمة . وازدادت الخطورة مع انتشار استعمال الشبكات المعلوماتية ، خاصة شبكة الويب العالمية (الانترنت) ، فسهٌل ارتكاب بعض أنواع الجرائم لا بل وانتشارها ، سواء ما كان منه ضد نظام الحاسب نفسه أو ما كان نظام الحاسب وسيلة لارتكابه ، حيث صنعت شبكة الانترنت عالماً افتراضياً لايعترف بالحدود جغرافية ، مما ساعد على عولمة الجريمة .  فهذا العالم الرقمي مكان يسهل فيه ارتكاب الجريمة ، لاجتماع المكونات المطلوبة لارتكابها , والتي لا يستغرق زمن ارتكابها سوى زمن بسيط ، اما محو آثارها وإتلاف أدلتها فهي عملية سهلة ، وكشف هوية مرتكبها ليس بالأمر الهين ، حيث يمكن للجاني تخزين البيانات المتعلقة بنشاطه الإجرامي في دولة أخرى ، او في مكان بعيد عن مكان ارتكاب الجريمة ، ومع تمكنه من ترميز المعطيات فسيكون امر إخفائها عن أجهزة العدالة امرا بسيطا . ولهذه الاسباب حاول البعض ان يواجه هذه الظاهرة الاجرامية الجديدة عن طريق التشريعات العقابية المختلفة , فمنها من وضع تشريعات جديدة واجه من خلالها الجرائم المعلوماتية التي تقع على العمليات الالكترونية , وقام البعض الاخر على اجراء تعديلات على النصوص التقليدية عسى ان تستطيع بذلك مواجهة هذه الجرائم المتطورة , في حين استمرت بعض الدول في غفوتها قابعة في نطاق نصوصها العقابية التقليدية ويحاول كلا من الفقه والقضاء  والاجتهاد في مد هذه النصوص لكي تطبق على الجرائم الالكترونية المستجدة واذا كان هذا هو حال التشريعات العقابية الموضوعية , فأن التشريعات الاجرائية لم تكن بأسعد حال منها , بأعتبار ان الثانية هي الجانب التطبيقي للاولى . وهذا ما أفرز جملة من التحديات القانونية على الصعيد الإجرائي تجسدت في المقام الأول في بعض الصعوبات التي تكتنف إثبات هذه الجرائم وقبول الدليل بشأنها باعتبارها جريمة لا تترك أثراً مادياً ملموساً ، كما هو الحال في الجرائم التقليدية . فضلاً عما يثيره ذلك من عقبات تواجه الأجهزة القضائية والأمنية في سبيل مباشرة بعض الإجراءات عبر الحدود كالمعاينة والتفتيش والضبط في نطاق البيئة الافتراضية . يضاف إلى هذا وذاك مشكلة تنازع الاختصاص بصدد هذه الجرائم باعتبار أن  آثارها تتجاوز حدود الدول ، الأمر الذي يجعل الحلول الوطنية غير مجدية ، وتظل مشوبة بالقصور وعدم النجاعة  ورغم الجهود التي بُذِلت ولا تزال تُبذل ، فإن هذه التحديات تبقى عصيّة على الحل في كثير من الأحيان وذلك في ظل غياب استراتيجية واضحة للتعامل مع هذه الطائفة من الجرائم ومرتكبيها لاسيما في الدول التي لم تبادر بعد إلى خلق تشريع عقابي يكفل تجاوز القوالب القانونية التقليدية التي لم تعد تناسب هذا العصر .